كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
حتى يحنث، ولا يبرأ إذا كان على حِنث الا بأكْل الجميع إذا حلف لياكلنه، إذ هو خارج من إباحة إلى حرمة.
ثم قال: وهذا التخرج ضَعيفٌ، لأنَّهُم إن ادعَوْا أن القاعدة متفق عليها مُنِعَ لهم من حيث إن صورة النزاع يمنعها الخصم، وهو الشافعى، وإن ادعوا ثبوتها بهذه الصورة فهى قليلة ولو كانت كثيرة، فإن القاعدة الكلية لا تثبتُ بالمُثل الجزئية.
قلت: كلامه هذا يؤْذِنُ بأنه ما ارتضى التقرير الذى قرره أولا، ولكن ما ذكره من أن القاعدة الكلية لا تثْبتُ من حيث جزئيات هذه المسألة هى مثل الاستقراء، والاستقراءُ ليس بدليل في القطعيات، وهو دليل في الظنيات، والمسائل الفقهية ظنية لا قطعية.
ثم قال رحمه الله: وخرج - أيضا - بعض الأصحاب هذه المسألة على قاعدة الأمر والنهي فقال: إذا حلف ليفعلن فهو كالأمر، أو لَا يفعلُ فهو كالنهي، والنَّهى عن الشيئ نهْى عن أجزائه، فيكون فاعل الجزء مخالفا، وهذه الطريق ايضا ضعيفة، بل الأمر بالعكس، فالأمر بأربع ركعات أمر بكل كعة ركعةٍ، وإيجاب لها إيجابُ المجموع، والنهي عن خمس ركعات في الظهر مثلا ليس نهيا عن أربع ركعات فيها، وإنما الذي أشكل على قائل هذا، الفرق بين الجزء والجزئي. (١٦٣) نعم الأمر بالماهية
---------------
(١٦٣) هذه كلمات ذات دلالات ومصطلحات يذكرها علماء الأصول والمنطق ويعرضون لها ويشرحونها بكثير من الإيضاح والتفصيل في كتبهم.
فالجزء عندهم هو ما تركب منه ومن غير كُلٍّ، مثل الحيوان، فإنه جزء من حقيقة الانسان، المركبة من الحيوانية والناطقية، حيث يقال في ماهيته وتعريفه: هو الحيوان الناطق (اي المفكر) ويسمَّى ذلك الجزء جزءاً طبيعياً، وهناك الجزء المادي مثل السقف بالنسبة للبيت المركب منه ومن الأعمدة والجدران.
ويقابله الكلُّ، وهو المجموع المركب من الأجزاء، والحكم عليه أى على جملة أفراده، من حيث كونها مجموعة لا يستقل جزء منها بنفسه في تكوين الماهية، ولا بالحكم عليه، كقولنا: كلُّ بني تميم يحملون الصخرة العظيمة، اى مجموعهم وهيشتهم المجتمعة من الأفراد لا كل واحد على حدة.
الصفحة 191
535