كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
الكلية كالأمر بالإِعتاق ليس أمرا بإعتاق العبد المعيَّن، والنَّهْي عن الماهية الكلية نهْيٌ عن جزئياتها. (١٦٤)
قلت: ولهذا المعنى يصح الأمر المخيرُ كالكفارة، ولا يصح النهي مع التخيير، وقد مضى تحريرُ هذه القاعدة.
قال شهاب الدين رحمه الله: وأحسَنُ ما رأيتُ في هذه المسألة طريقة الفرض والبناء، وهي هذه: كان الشيخ أبو عمرو بن الحاجب رحمة الله يقول: هذه المسألة ثلاثة أقسام: المعطوفات، نحو والله لا كلمتُ زيداً وعمراً، والجموع والمستثنيات نحو لَا أكلتُ إلا رغيفة أو الرغيفتين، وأسماء الحقيقة الواحد المفردة كالرغيف، فهذه الأقسام الثلاثة، الخلاف فيها واحد، فعند الشافعى لا يَحنَثُ الا بالجميع، وعندنا بالبعض في المسائل الثلاث، فنقول:
أجمعنا على ما إذا قال الحالف: واللهِ لا كلمتُ زيداً ولا عَمراً بصيغة لا النافية أنه يحْنث بأحدهما. واتفق النحاة على أن لا إذا أعيدت في اللفظ أنها مؤكده لا منشئة نفياً، وشأن التأكيد أن تكون الأحكام الثابتة معه ثابتة قبله وإلا لم يكن مؤكداً، فوجب التحنيث في هذه الصورة، للاجماع عليه في الصورة التى ظهر فيها حرف لا مؤكدا. فإذا اتضح هذا في هذه الصورة وجَبَ القول بالحنث في الصورتين الأخريين، لأنه لَا قائِل بالفرق، إذ لو ثبت الحنث في بعضها دون
---------------
= أما اللفظ الكلى فهو ما أفهبم الاشتراك بين أفراد بحسب وضعه ودل عليه بمجرد تعلقه وتصوره مثل رجل وامرأة، ويقابله الجزئي، وهو ما دل على معنى مشخص لا يتناول غيره مثل زيد وخالد وعلى مثلا، موضوع لشخص معين.
(١٦٤) علق ابن الشاط على كلام القرافي في هذه المسألة فقال: ما قاله في ذلك ليس بصحيح، فإنه كما أن الأمر با الشئ أمرٌ بأجزائه لضروز تحصيله، ولا يتأتى تحصيله إلا بتحصيل أجزائه، كذلك النهيى عن الشئ نهي عن أجزائه لضرورة تفويته، ولا يتأتي تفويته إلا بتفويت أجزائه، فإن أجزاء الشئ لا تكون أجزاء له حقيقة إلا بتقدير اجتماعها، وأما قبل ابن عها فليست بأجزاء له حقيقة، بل بضرب من المجاز، وهو انها صالحة لأن تكون اجزاء له إذا اجتمعت. كثيرا ما يجري هذا الوهم على كثير من الناس في مثل هذه المسألة، فيعتقد أن جزء الشيء لا يزال جزءاً له في حال اتصاله بالجزء الآخر، وفي حال انفصاله عن الجزء الآخر، ولا يشعر أن الجزء في حال الاتصال بالآخر ليس عيْن الجزء في حال الانفصال من الآخر ... الخ. اهـ
الصفحة 192
535