كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

٣) وقسم يختلف فيه (١٧٠)، وهذا المختلف فيه نذكر فيه أرْبَعَ مسائل:
المسألة الأولى: الله؛ إنْ أخرجها أحَدٌ عن أحد بغير علم صاحبها، إن كان إماماً وأخذها كَرْها أجزأت عند مالك والشافعي، اعتمادا على فعل الصّديق رضى الله عنه (١٧١)، لِظاهر قوله تعالى: "خذْ من أموالهم صدقةً" (١٧٢) وأبو حنيفة قال: لا يَاخذها ولكن يحبسه، وهذا لأنها تعبّد، تحتاج إلى نية، ومصلحتها حاصلة في نفس المعطي، لها فلا نيابَة، وإن كان غير إمام فالأصح عندنا أنها لا تجزئ، لأنها تفتقر إلى نية، ولكنه وقع في الأضحية أن صديقا لو ذبح لصديقه أجزأت إن كانت الصداقة متمكنة بينهما، وعلى هذا فالزكاة كذلك، إذ هي كلُّها تعبُّدِيَّة، ولكنه أجازها فيها كلها (١٧٣) وكذلك هنا.
قلت: وفيه - عن مالك - خروج (١٧٤) إلى قول من يقول بجواز إخراجها مطلقا ولا يحتاج إلى نية، لأن المصلحة المطلوبة فيها انتفاع المساكين، فهي كالدين يؤدى. والصحيح أنه لا يجوز، لأنه وإن كانت المصلحة في الزكاة من
---------------
(١٧٠) في نسخة ح ط: مختلف فيه (بصيغة اسم المفعول).
(١٧١) إشارة إلى محاربة أبى بكر لأهل الردة الذين كان منهم من ارتد عن دينه بالمرة ومنهم من امنتع عن أداء الزكاة وأراد أن يعطلها، فقاتلهم أبو بكر ضي الله، بجيوش المسلمين، وقال في ذلك لعمر ابن الخطاب رضى الله عنْهُ قولته المشهورة: والله لأقاتلن من فرق بين الصلاة والزكاة، والله لو منعوني عناقاً (أى شاة) كانوا يؤدونها لرسول الله - صلى الله عليه وسلم - لقاتلتهم عليها، قال عمر: فما هو إلا أن رأيت أن قد شرح الله صدر أقوله بكر للقتال، فَعَلمتُ أنه الحق، وتفصيل حروب الردة مذكور في كتب التاريخ الاسلامى.
(١٧٢) سورة التوبة: الآية ١٠٣.
(١٧٣) ولكنه أجازها فيها هنا. وفي نسخة أخرى، إذ هى كلها تعبد بها، ولكن أجازها فيها فكذلك هنا.
(١٧٤) كنا في نسخة ح، ونسخة اخرى: جنوح (أيْ ميل)، ومنه الآية الكريمة: "وإن جنحوا للسلم فاجنح لها وتوكل على الله ... " وكلمة جنوح هنا أكثر استعمالا في مثل هذه المسائل الفقهية، وفي نسخة ع خروج (اي توجه وخذ بالقول). وكلمة مطلقا، تعنى جواز إخراجها من غير من وجبت عليه، سواء أكان الخرج لها بالنيابة تجمعه صداقة حميمة، وعلاقة وثيقة المخرج عنه أولا، اذ كلمة الاطلاق تفسر دائما بما قبلها أو بما ياتي بعدها من الكلام.

الصفحة 195