كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
متبرع وهو منفعة, فلهُ أجرةُ مثله، بشرط أن يكون المعمول له لابد له من عمل ذلك بالاستئجار، أما ان كان يفعله بنفسه أو بغلامه فلا شيء عليه، وإن كان مالاً فله ماله، والقولُ في ذلك قول العامل في عدم التبرع، فهذه قاعدة مالك، نص عليها ابن أبي زيد رحمه الله في النوادر، وصاحب الجواهر في كتاب الاجارات.
وقال الشافعى: الأصل في فعل الغير التبرع، وإذا لم ياذن المدفوع عنه بلسان المقال لا يرجع عليه بشئ، ولم يعتبر لسان الحال كما اعتره مالك. فمالك يقول: المعتِقُ قام عن المعتَقِ عنه بواجب وما شأنه أن يفعله، ويقدَّر انتقال مِلكه عنه للمعتَق عنه قبل صدُور العِتق بالزَمنِ الفرد حتى يثْبت الولاءُ وتَبْرأ ذمَّتُه من الكفارة.
ويشكل عليه بقاعدة النيَّة فإنه يشتزطها وهى متعذرة، فيقيسها على العتق عن الميت، ويفرق الخصم بأن الميت تعذر عليه ذلك الخير، والحي ليس كذلك، فناسب الميتَ التوسعةُ دون الحي، وله القياس على أخْذ الزكاة منه كرها، ويفرق أيضا بالضرورة ثمة، وبأن الزكاة مصلحة عامة وهذه خاصة.
وأشهب يقول: إلاذْنُ من باب الكلام لا من باب المقاصد، فلم يَعتبر تفريق عبد الملك، (١٨٢) ورأى أن عملا بلا نية لا يصح، وأبو حنيفة أجاز ذلك بالجُعل (١٨٣) لا بالهِبَة، لأنها لا تتم الا بالقبض (١٨٤) ولا يحتاجُ حينئذ إلى قصد.
---------------
(١٨٢) أى في التفريق بين وجود الإذن من مالك الرقبة في العتق فيجزئ ذلك عنه، وبين عدم إذنه فلا يجزئ العتق عنه، كما سبق في بداية الكلام على مسألة العتق عن الغير وحكاية الاقوال الثلاثة فيه.
(١٨٣) الجعل بضم الجِيم كما يعرفه الفقهاء هو: الإجارة على منفعة يضمن المجعوُل له حصولها، كحفر بئر، وكرد آبِق وشاردٍ من الأنعام أو الإِنسان الخ .. وهو جائز، ويتميز عن عقد الاجارة بوجوه نص عليها الفقهاء في محيب الفقه المختلفة (فليرجع اليها من اراد التوسع في ذلك).
(١٨٤) كذا في نسختى ع، وح، وفي نسخة ثالثة: بالجواز (بدل القبض) وما في النسختين الأوليين أظهر وأصوب، لأن الفقهاء ينصون على أن الهبة تتم بالحوز، وهو القبض.
الصفحة 198
535