كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
قلت: ويلحق ايضا هذه القاعدة فرق آخر، ذكره شهاب الدين، وهو الحادى والمائة (١٩٢) بين قاعدة غير المكلف لا يُعَذب بِفِعْل المكلف، وبين قاعدة البكاء على الميت يعذَّبُ به الميت، وإنما ألحقتها بهذه القاعدة, لأن الكلام في فعل أحدٍ هل يكون فعلاً لغيره، أعمُّ من أن يكون خيرًا، وذلك ما سبق الكلام عليه، وبقى أن يكون شَرًّا، فينبغى أن يكون الكلام عليه ها هنا.
قال شهاب الدين -رحمه الله-: جاء عن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أنه قال: "إن الميتَ لَيُعذَّب ببكاء الحى عليه"، والحديث صحيح، إذ هو مذكور في الصحاح، فأشكل ذلك من جهة أن الإنسان لا يُواخَذ بذنب غيره، وهذه القاعدة متفق عليها لقوله تعالى: "ولا تزِر وازرةٌ وِزْر أخرى"، (١٩٣) ولا يسري عقاب لأحدٍ من ذنب غيره، وليست هذه كما في ضده الذي هو الخيْرُ، فعَدَل الناس إلى النظر في الحديث (١٩٤).
وأما القاعدة فمتفق عليها، فمن الناس من طرق الوهْمَ للمحَدِث، وذلك أن عائشة رضى الله عنها، قالت: وَهِم أبو عبد الرحمان، انما مر رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بيهودية يبكى عليها أهلها، فقال عليه السلام: انكم لتبكون عليها وإنها لتُعذَّبُ.
قلت: وهذا لا يتمشى ولا يستقر جوابًا، فإنه رواه جماعة، وهم يقولون: ان الميت ليُعَذّب ببكاء الحى، وقال ناس آخرون: إنما هذا إذا أوصى بالنياحة.
---------------
(١٩٢) انظر هذا الفرق في الجزء الثاني من كتاب الفروق للقرافي، ص ١٧٦،
(١٩٣) سورة الإسراء: الآية ١٥.
(١٩٤) ومن ذلك ما جاء عن عائشة أم المومنين رضى الله عنها، وقد ذكر لها قول عمر بن الخطاب رضي الله عنه، إن الميت ليعذب ببكاءِ الحي، أو ببكاء أهله عليه، فقالت: رحم الله عمر، والله ما حدَّث رسول الله - صلى الله عليه وسلم - بذلك، ولكن قال: "إن الله ليزيد الكافر عذابًا ببكاء أهله عليه، وقالت: حسبكم القرآن"، أي يكفيكم القرآن في هذه المسألة: "ولا تزر وازرة وزْرَ أخْرى" وذلك ما ذكره الشيخ البقورى رحمه الله برواية أخرى.
الصفحة 203
535