كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

القاعدة الرابعة والعشرون (٢٠١):
نقرر فيها الفرق بين قاعدة ثبوت الحكم في المشترك وبين قاعدة النهي عن المشترك (٢٠٢)، فنقول:
قد مضى أن النهى مع التخيير لا يجتمعان، وإن الأمر مع التخيير يجتمعان، وهذا هو المعنى المقرر هنا، وقد كان حق هذه القاعدة أن تكون مع تلك، ولكني أفردتها مخافة التطويل عند استيفائي جميع ما ذكر في القاعدتين، فقال رحمه الله:
النهي كالنفي، والأمر كالثبوت، ومن المعلوم البيِّن أن وجود الْأَخص يلزم منه وجود الْأَعَمِّ، فإذا ثبت الْأَخص ثبت الْأَعَمُّ، والعام إذا انتفى انتهى الْأَخص، وليس إذا انتفى الأخص ينتفى الْأَعم. وقد قلنا: الأمر كالثبوت، فوجود فرد من الكفارة يثبت وجود الكفارة، والكفارة كانت مطلوبة بالأمر، فقد كان ثبوت الحكم في
---------------
(٢٠١) هي موضوع الفرق الخامس والعشرون بين قاعدة ثبوت الحكم في المشترك وبن قاعدة النهى عن المشترك". جـ ١ ص ١٥١.
قال القرافي رحمه الله في أوله، مبينًا وموضحا لأهميته وفائدته: هذا الفرق جليلُ عظيم، دقيق النظر خطير النفع، لا يحققه الأ فحول العلماء والفقهاء، فاستقبِلْه بعقل سليم وفكر مستقيم ... " وقد اطال الكلام في بيانه وإيرادِ بعض المسائل والقواعد التطبيقية فيه لتحقيق فقهه وفهمه.
(٢٠٢) المشترك عند علماء الأصول والمنطق، قسم من أقسام اللَّفظ المفردَ، وهو اللفظ الذي وُضع لكل واحدِ من معنَييه أو معانيه بوضع خاص، وسمى مشتركا (بفتح الراء) لاشتراك معانيه فيه كالعين للباصرة والجارية بالماء، والذهب والفضة، ويذكره علماء الأصول وعلماء المنطق اثناء الكلام على نسبة الألفاظ للمعاني، وهي عندهم خمسة أقسام:
التواطؤ، ويراد به التوافق، والتشاكك، والتخالف، والاشتراك والتشارك، والترادف، وهو تعدد الالفاظ لمعنى واحد وتَواردُها عليه، كالحنطة والبرُ للقمح، ويسمونه الاشتراك المعنوى، لاشتراك عدةِ ألفاظ في معنى واحد، على عكس الاشتراك اللفظي المتقدم حيث تشترك عدة معان في لفظ واحد كالعين مثلاً، وقد جمعها العلامة الاخضري في منظومته الشهيرة والسماة بمَتْن السلم في علم المنطق فقال:
ونسبة الالفاظ للمعاني ... خمسة أقسام بلا نقصان
تواطؤ تشاككٌ تخالف ... والاشتراك عكسه الترادفُ
والتوسع في هذا الموضوع ومصطلحات هذه الكلمات يرجع فيه إلى كتب أصول الفقه وعلم المنطق.

الصفحة 206