كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

القاعدة الثالثة: أن تحريم المشترك يلزم منه تحريم جميع الجزئيات كما تقدم، فيحْرمنَ كلهن بالطلاق وهو المطلوب (٢١٢)، وهذا هو الحق، لا أن يقال: إنما عمَّم الطلاق احتياطًا للفروج، فإنهُ إذا قيل: ما الدليل على مشروعية هذا الاحتياط؟ لا يوجد. وظاهر الفرق بين خِصال الكفارة وهذه المسألة، القاعدة المقررة أولاً.
المسألة الرابعة، قال مالك رحمه الله: إذا أعتق أحدَ عبيدِه، له أن يختار واحدًا منهم فيعينه للعتق، بخلاف ما تقدم في الطلاق، مع أنه في الصورتين أضاف الحكم (اى للمشتركين بين الأفراد)، وكما أن الطلاق محرم، (٢١٣) كذلك العِتْق محرم للوطء، والفرق حينئذ عسيرٌ.
والجواب أن التحريم دل عليه الطلاق بوضعه، فإنهُ له وُضِع، والعِتْقُ دل على تحريم الوطء لزومًا، فتحريم الوطْء تابع للعتْق الذي هو قُرْبة، وراجعٌ إلى الأمر
---------------
(٢١٢) عقب ابن الشاط على كلام القرافي في هذه القاعدة فقال: القاعدة الثالثة ايضا صحيحة، ولكن لا يلزم أن يُحرمن كلهن، لما سبق من عدم صحة القاعدة الأولى.
ثم قال في هذه القاعدة ومسألتها ايضا، معلقًا على كلام القرافي فيها: صار الصدر في هذه المسألة غير صدْر، لتسليمه القاعدة الأولى، وهي غير مسلّمة ولا صحيحة، فكذلك ما بناه عليها.
والجواب الصحيح - يقول ابن الشاط - ما أجاب به الأكابر (اي من أفاضل العلماء والفقهاء). وهو أن الحكم إنما عم (اي في هذه المسألة والنازلة)، احتياطًا للفروج. ودليل مشروعية هذا الاحتياط هو كل دليل دل على توقي الشبهات". اهـ.
ذلك أن القرافي رحمه الله قرر ما قرر من التعميم للحكم في مسألة الطلاق المذكورة, بناء على القاعدة الثالثة السالفة، بينما أكابر العلماء كانوا يوجهون تعميم الحكم ويعللونه بالاحتياط في الفروج، وهذا الاحتياط يراه القرافي غيرَ مؤسّس ولا مبنى على دليل شرعى، فأوضح الشيخ ابن الشاط أن دليلهم الشرعي في ذلك هو توقي الشبهات والاحتياط.
(٢١٣) في نسخة ع، وح: "وكان الطلاق محرمًا" بصيغة الفعل الماضي، وفي نسخة أخْرى، وعند القرافي: وكما أن الطلاق محرِم للوطء، بأداة التشبيه، وهو أظهر وأسلم في المراد والمعنى، وقد علق ابن الشاط على ما جاء في هذه المسألة الرابعة بقوله: ما قاله القرافي في ذلك صحيح، وأن المتكلم في مسألة الطلاق أو العتق في مسألة العتق ما أضاف الحكم لمشترك، بل أضافه لفرد غير معين". اهـ.

الصفحة 210