كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

الجمع، (٢٣٢) من حيثُ إنه أصل، وما سواه فرع، والجمعُ بين الأصل والفرع مناسِب. وأما الدعاءُ مع السجود، والثناءُ مع الركوع، (٢٣٣) وعدم القرآة معهما، فذلك في الدعاء من حيث إن العبْدَ مأمور بالتعظيم لبارئه، وجعَلَ له في ذلك التعْظيم التشبهَ بفعْل المتواضعين مع ملوكهم، كل ذلك ليرسَخ في باطنه عظمة مولاه فينتفع بها, لا لأنَّهُ تعالى يلحقُهُ من ذلك شيء، بل هو الغنى عن العالَم، ولا ضرر يلحَقُهُ ولا نفع. والِانحناء في الركوع تواضع، والسؤال مناسب له، وتواضع السجود أكثر، فكانت الرغبة منه أجدَرَ بالإِجابة، ولهذا قيل: "أقربُ مَا يكون العبدُ من ربه وهو ساجد، فاجتهِدُوا بالدعاء فقمِنٌ أن يستجابَ لكم (٢٣٤).
أما كون القرآة لا تكون حينئذ فذلك من حيث إنها حالة خضوع بمشقة تَلْحَق العبد، والقرآة مَحَلٌّ للفكرة، والفكرة تضعف مع تحمل المشقة، فلم تكن لائقة بذلك الموضع.
---------------
(٢٣٢) (أي حتى وجب وثبت الجمع بين الإيمان وبيْن كل عبادة لله تعالى، أنه أصل. فيكون الفعل الناقص كان تاما يكفي بمرفوعه على أنه فاعل يكمل به المعنى، على حد قوله تعالى: {وَإِنْ كَانَ ذُو عُسْرَةٍ فَنَظِرَةٌ إِلَى مَيْسَرَةٍ}، أي إن وجد ذو عسرة، بالبِناء للفعل المجهول، فيتعين إنظاره أي إمهاله لحين الوجْد وقدرته على أداء الدين، واكتفاء الفعل الناقص في باب كان وأخواتها بالمرفوع على أنه فاعل، ليتم المعنى، هو ما أشار إليه ابن مالك في ألفيته بقوله: وذو تمام ما برفع بكتفي.
وما سواه ناقص، والنقص في ... فتئ ليس زَال، دائمًا قُفِي
(٢٣٣) في جميع النسخ الثلاث التي بين أيدينا من كتاب ترتيب الفروق، العبارة هكذا، وأما الدعاء مع السجود ومع الركوع" بحذف كلمة الثناء، وهي ثابتة في الأصل الذي هو كتاب الفروق، وهي كلمة يقتضيها المعنىَ، وتقتضيها الموافقة مع الحديث الشريف الآتي بعدُ، والذي جاء بالأمر والتوجيه في الإرشاد للأمة إلى الاجتهاد بالدعاء في السجود، مبينًا حكمة ذلك بأنه قرب من اللهِ ومَوطِنُ استجابة الدعاء، حيث يكون العبدُ أقرب ما يكون من ربه، وكما جاء في حديث آخر: أما الركوع فعظموا فيه الرب، وأما السجود فادعوا بما شئتم، فقمن أن يستجاب لكم"، وهذا يعطي ويوضح أن حذف كلمة الثناء في النسخ المختلفة للكتاب قد يكون من الناسخ سهوا أو قصدًا بدون تأمل، اعتمادًا على النسخة المنقول فليصحح منها.
(٢٣٤) اخرجه الإمام مسلم، وبعض الأئمة أصحاب السنن, عن أبي هريرة رضي الله عنه.

الصفحة 218