كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
قلت: ويمكن أن يقال: كان ذلك من حيث أنه إذا سجد فقد تمحضت صفة العبد، الخاصةُ به، وذلك التواضعُ، ولم يلِقْ بها أن يكون حينئذ تَالِيًا لكتابه العزيز، فإنه صفة جليلة يكتسبها حينئذ من حيث تلاوته لكلام ربه. وإنما يليق بتلك الحالة الارتفاعُ والانتصاب، فصِفة الحق غلبت في حالة القيام، وصِفة العبد غلبَتْ في حالة السجود، ولهذا هُوَ موضع إشكال، أيهما أفضل: القيام أو السجود؟ فجاء: "أفضل الصلاة طول القنوت"، (٢٣٥) وجاء "أقرب ما يكون العبد من ربه وهو ساجد"، والحديثان صحيحان أخرجهما مسلم، والله أعلم، وقد قيدنا (٢٣٦) عليه شيئاً في إكمال الإِكمال على كتاب مسلم، فانظره،
قال شهاب الدين -رحمه الله-:
وعلى هذا الفرق انبنَى قول القائل: لو لم يكن الصومُ شرطًا في الاعتكاف لما صار شرطًا له بالنذر كالصلاة، لكنه إذا نذره لزمه ذلك ووجب الصوم، فصحة هذا الكلام تَنبني على قاعدتين:
القاعدة الأولى: النذْر لا يؤثر إلا في مندوب، فأما النذر في وجوب الصوم مع الاعتكاف إذا نذَره، فإنه يدل على أنه مطلوب أن يجمع بينهما.
القاعدة الثانية: إذا نذر أن يصلي صائمًا لم يلزمه ذلك؛ لأن الجمع بين الصلاة والصوم غيرُ مطلوب، وإن كان كل واحد منهما مطلوبًا في نفسه.
---------------
(٢٣٥) أخرجه كل من الإِمام أَحْمد، ومسلم، والترمذي عن جابر رضي الله عنه. ورحمهم أجمعين.
(٢٣٦) قف على نَصِّ الشيخ البقوري رحمه الله على كتابه في شرح الحديث: المسمى (إكمال الاكمال) على صحيح الإمام مسلم. وهو كتابٌ يذكره وينسبه له العلماءُ في ترجمتهم له. ولحد الساعة لم يعرف لهذا الكتاب وجود في خزانة من الخزانات العامة أو مكتبة من المكتبات الخاصة حسبما بلغ إليه بحثى وسؤالي عنه، واهتمامي به كثيرا, ولعل البحث يكشف عنه مستقبلا في خزانة من الخزانات العلمية، المنبثة في مختلف البلاد الإِسلامية، وغيرها من البلاد الإسلامية التى تزخر خزائنها بكثير من أمهات الكتب العربية والتراث الاسلامي على اختلاف علومه ومعارفه.
الصفحة 219
535