كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
القاعدة الثامنة والعشرون (٢٣٧)
نقرر فيها أن الفعل إذا دار بين الوجوب والندب فُعل، وإذا دار بين الندب والمحرّم ترك، تقديما للراجح على المرجُوح، وما يتخيَّل من أن صوْمَ يوم الشك ممنوع منه يقدح في هذه القاعدة ليس كذلك.
بيانه أنا نقولُ: لا خفاءَ بوجهِ تلك القاعدةِ من حيث إنّ الأرجح ظاهر تقديمه في الشريعة على المرجُوح، وأما صومُ يوم الشك فقد يقول القائل: صَوْمُه هو الظاهر كما يقول الحنابلة، لِأنه أنّ كان من شعبان فهو ندْبٌ، وإن كان من رمضان فهو واجب فيفعَل، فالقول بأنه لا يصام، مُخالفة لها (٢٣٨)، فنقول: يُمنع من ذلك، بل هو مما دار صومه بين التحْريم والندب، فيتعيّن ترك صومه.
وبيانه أن رمضان شرط صحة صومه أن يكون بنية جازمة، وصومُه بطريق الترداد حرام، فهو إذا صامه كذلك، إن كان من شعبان كان ندْبا، وإن كان من رمضان فقد كان ذلك الصوم محرّما، لأجل الترداد. والقاعدد فيما كان كذلك أن يُتْرك، وأيضًا فقد جاء النهي عن صيام يوم الشك. (٢٣٩)
---------------
(٢٣٧) هي موضوع الفرق الرابع والمائة (١٠٤) بين قاعدة أن الفعل متى دار بين الوجوب والندب فُعِل، ومتى دار بين الندب والتحريم ترك، تقديما للراجح على المرجوح، وبين قاعدة يوم الشك، هل هو من رمضان أم لا؟ جـ ٢ ص ١٨٦.
(٢٣٨) علق ابن الشاط على قول القرافي هنا: "فإن يوم الشك يحرم صومه مع أنه إن كان من شعبان فهو مندوب، بقوله: ليس بمسَلم، بل هو من شعبان لا على القطع بل على الشك، وهو ممنوع الصوم للنهي عنه، الوارد في الحديث، وعلى هذا، الإشكالُ في قولنا بالمنع من صومه، أما على قول الحنابلة فصومه على وجه الاحتياط جارٍ على قاعدة الفرق المذكور، وذلك، والله أعلم - لعدم صحة الحديث عندهم.
(٢٣٩) روى أصحاب السنن, والبخاري، تعليقا عن عمار بين ياسر قال: "من صامَ اليوم الذي يشك فيه الناسُ فقد عصى أَبا القاسم" وأبو القاسم كُنْيَةً للنبى - صلى الله عليه وسلم - بأحَدِ اولاده القاسم، كما هو معلوم من كتب الحديث الشريف والسيرة النبوية الطاهرة.
وقد علق ابن الشاط على قول القرافي بأن صوم يوم الشك عندنا دائر بين التحريم لتعذر النية الجازمة وبين الندب، فتعين الترك إجماعًا على هذا التقدير, لأن النية الجازمة شرط، وهي هنا متعذرة، وكل قربة بدون شرطها حرام، فصوم هذا اليوم حرام، فقال أي ابن الشاط: ليس قوله ذلك بمسلم, لأن لِقائلٍ أن يقول: ليست النية الجازمة شرطًا الا مع عدم تعذرها، وما ذكره لم يأت عليه بحجة، فلا يبقى إلا الحديث إن صح". اهـ.
الصفحة 220
535