كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
قال شهاب الدين رحمه الله: والفقهاء خالفوا هذه القاعدة في لفظ الطلاق، فإذا قال الرَّجل: الطلاق يلزمني ولا نية له حملوه على طلقة واحدة، وكان حق هذا اللفظ أن يحمل على عدد لا نهاية له، لولا أن الشرع جعل آخر الطلاق هو الثلاث، كما إذا قال: طلقتك مائة تطليقة يحمل على الثلاث. وسبب هذا أنَّهم رَأوا الألف واللام في المفرد، تارةً للجنس، كقوله تعالى: {إِنَّ الْإِنْسَانَ لَفِي خُسْرٍ} (٦)، وترِدُ تارةً للعهد، كقوله تعالى: {فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ}، وترد لمعقول الجنس، كقولهم: أكلتُ الخبز، كقوله عليه الصلاة والسلام: "إذا ولغ الكلب. في إناء أحدكم" (٧) فقال الفقهاء: المراد بها في الطلاق معقول الجنس وهو المشترَك، والمشترَك يحصل بفرد من أفراده، وهذا كله من حيث إنهم رأوا العرف
---------------
= وبعبارة أخرى أوسع وأوضح: هو اللفظ الذي يتناول ويستغرق، دفعة واحدة وفي إطلاق واحد، جميع الأفراد التى تشترك في مفهومه من غير حصر لأفراد مدلوله باعتبار اللفظ ودلالة العبارة لا باعتبار الواقع
ومنْ صِيَغهِ الألف واللام إذا أريدَ بها الاستفراق دون العهد ودخلت على الاسم، فإنها تفيد العموم فيما دخلت عليه، سواء اكان جمعا، مثل {قَدْ أَفْلَحَ الْمُؤْمِنُونَ} أو كان مفردًا، مثل: {وَأَحَلَّ اللَّهُ الْبَيْعَ وَحَرَّمَ الرِّبَا}.
وقد رأيت أن أنقل هذا التعريف، وأورده هنا بقصد التذكير به، والبيان للقاعدة، إذ الحكم على الشيء فرع عن تصرره، والمصطلحات الأصولية والمنطقية والبلاغية والنحوية، وغيرها من مصطحات العلوم وقواعدها قد تغيب أحيانًا عن بعض الأذهان إذا لم يقع التعهد لها والتمرس بها بين الحين والآخر، فإن العلم يحصل ويرسخ بذلك، ويزداد بالعطاء والانفاق منه كما يقول العلماء.
(٦) سورة المزمل، الآية ١٦. وأولها: {إِنَّا أَرْسَلْنَا إِلَيْكُمْ رَسُولًا شَاهِدًا عَلَيْكُمْ كَمَا أَرْسَلْنَا إِلَى فِرْعَوْنَ رَسُولًا (١٥) فَعَصَى فِرْعَوْنُ الرَّسُولَ فَأَخَذْنَاهُ أَخْذًا وَبِيلًا}: الآيتان: ١٥، ١٦. فالعهد هنا بال ذكرى، في مقابلة العهد الذهني، والحضوري. ذلك أن كلمة رسول سبق ذكرها نكرة وأعيدت معرفة بأل، فهي نفس الأولى وعينها، كما تقول القاعدة النحوية المقررة، والتسمية نظمها بعضهم في بيتين فقال:
ثمَّ من القواعدِ المشتهرة ... إذا أتتْ نكرة مكرَّرة
تخالَفا، وأن يُعَرَّفْ ثانٍ ... توَافَقَا كَذا المعَرّفان
(٧) أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم، وبعض أصحاب السنن عن أبي هريرة رضي الله عنه، ونصه بتمامِه: إذا ولغ الكلبُ في إناء أحدكم فَلْيُرقْه، ثم ليغسلهُ سبعًا، أُولاهن، أو إحداهن، أو السابعة بالتراب .. على اختلاف في روايات هذا الحديث الصحيح المتفق عليه.
الصفحة 223
535