كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

والقسم الثاني عامٌّ تحته أمور غير متباينة، وإنما اختلافها بالْأقل والْأكثر، والجزء والكل، فهذا العام يستلزم الأخص معينًا. ومثال هذَا، المال الداخل تحت هذا العام هو بالْأَقل والأكْثر يختلف فيستلزم الأقل، كذلك مطلق الفعل أعم من المرة والمرات، فيستلزم المرةَ الواحدة، لما قلناه.
قال شهاب الدين رحمه الله:
وهذه القاعدة تُظهر بطلان قول الفقهاء فى أن القائل إذا قال لوكيله: بعْ، من غير أن يذكر زائدًا على ذلك، ان اللفظ غير دال على أخصّ، وإنما القاعدة عينَّت ثمن المثل، فإنه يقال لهم: بل دل هذا اللفظ على الثمن البخس، (١٠) وهو أقل ما يكون ثمنا, ولكن العادة منعَتْ من حمل اللفظ عليه وعيَّنتْ ثمن المثل.

القاعدة الثالثة: (١١)
نقرر فيها الفرق بين قول العلماء: حكاية الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال، وبين قولهم: حكاية الحال إذا ترك فيها الاستفصال تقوم مقام العموم في المقال، فنقول:
---------------
(١٠) كلمة البخس ناقصة في نسخة ح.
(١١) هي موضوع الفرق الحادى والسبعين بين قاعدة حكايته الحال إذا تطرق إليها الاحتمال سقط بها الاستدلال، وبين قاعدة حكايته الحال إذا تُرِكَ فيها الاستفصال تقوم مقام العموم في المقال ويحسن بها الاستدلال" جـ ٢. ص ٨٧.
قال القرافي رحمه الله في أول كلامه عن هذا الفرق: هذا موضع نُقل عن الشافعي فيه هذان الأمران على هذه الصورة، واختلفت أجوبة الفضلاء في ذلك، فمنهم من يقول: هذا مشكلَ, ومنهم من يقول: هما قولان للشافعي. والذي ظهر لي أنهما ليستا قاعدة واحدة، فيها قولان، بل هما قاعدتان متباينتان، ولم يختلف قول الشافعي ولا نناقضَ، وتحرير الفرق بينهما ينبنى على قواعد ... الخ. اهـ.
وعقب ابن الشاط رحمه الله على قول القرافي: "بل هما قاعدتان متباينتان" بقوله: إن أراد بذلك أن معناهما واحد فليس قوله بصحيح، وإن أراد بذلك أنهما متساويتان في كون كل واحدة منهما قاعدة مستقلة مساوية للأخرى في الاستقلال، فقوله صحيح ... اهـ.
وتجدر الإشارة إلى أن عبارة ابن الشاط هنا جاء فيها قوله "بل هما متساويتان" بدل: بل هما متباينتان، مما جعل محقق الفروق يقول: الذى فى نسخ الأصل الذي بين أيدينا متباينتان، فتأمل، اهـ، ولعل التعبير بكونهما متباينتين أنسب وأظهر في المعنى من كونهما متساويتَيْن ..

الصفحة 226