كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

هذا الفرق ينبنى على قواعد:
القاعدة الأولى أن الاحتمال المرجوح لا يقدح في حكايته اللفظ، وإلا سقطت الأدلة بأجمعها, لاحتمال المجاز والاشتراك، وذلك باطل، فالاحتمال المعتبر إنما هو الاحتمال المساوى أو القارب، وأما المرجوح فلا. (١٢)
القاعدة الثانية أن كلام الشارع إذا كان محتملاً احتمالين على السواء صار مُجْمَلاً (١٣).
القاعدة الثالثة أن لفظ الشارع إذا دخل على جنس، فتردد ذلك الجنس بين سائر أنواعه، وكذلك على نوع فتردد ذلك النوع بين أشخاصه لا يُصَيِّره مجملاً، وهذا كقوله تعالى: {فَتَحْرِيرُ رَقَبَةٍ}، تصدق الرقبة على الطويلة والقصيرة، والذكر والأنثى. (١٤)
---------------
(١٢) عبارة القرافي في هذه القاعدة الأولى هي: أن الاحتمال المرجوح لا يقدح في دلالة اللفظ، وإلا لسقطت دلالات العمومات كلها, لتطرق احتمال التخصيص إليها، بل تسقط دلالة جميع الأدلة السمعية لتطرق احتمال المجاز والاشتراك إلى جميع تلك الألفاظ، لكن ذلك باطل، فتعين أن الاحتمال الذي يوجب الإجمال إنما هو الاحتمال المساوي والمقارب، أما المرجوح فلا.
وعلق ابن الشاط على كلام القرافي في هذه القاعدة فقال: ما قاله في ذلك صحيح، وكذلك ما قاله في القاعدة الثَّانية.
(١٣) المجمل في اصطلاح علماء الأصول، كما عرفه بإيجاز واختصار، ابن السبكي في جمع الجوامع حيث قال: هو ما لم تتضح دلالته"، وعرفه أبو الوليد ابن رشد الجد في كتابه المقدمات الممهدات بقوله: "فأما المجمل فهو مالا يفهم المراد من لفظه ويفتقر في البيان إلى غيره، مثل قوله تعالى {وَآتُوا حَقَّهُ يَوْمَ حَصَادِهِ}، فلا يفهم من لفظ الحق جنسه ولا مقداره إلا بعد بيانه، ومثل قوله
تعالى: {وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ}.
وبعبارة اخرى لبعض العلماء: المجمل هو كل ما دل من الأقوال أو الأفعال أو غيرها دلالة غير واضحة على أحد الأمرين أو أكثر، من غير أن تكون لأحدهما مزية على الآخر، بحيث يستوفيه الأمر أو الأمور من غير ترجيح لأحدهما على الآخر فيما يرجع إلى الدلالة، لدوران الدال بين احتمالين فصاعدًا على السواء.
(١٤) علق ابن الشاط على كلام القرافي في هذه القاعدة الثالثة فقال: ليس ما مثل به للجنس بصحيح، فإنه ليس لفظ الرقبة في هذا الموضع جنسا, ولكنه واحد غير معيَّن من الجنس، وكذلك قوله: "المطلقات الكليات التى تقدم أنها عشرة، ولم يظهر في شيء من مثلها قدح ولا إجمال" فإن المطلقات ليست الكليات، وقد تقدم التنبيه على ذلك مرارًا، يقول ابن الشاط رحمه الله.

الصفحة 227