كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
مُحْرم يتفق له الموت على حالة الإحرام كذلك، أو هذا متعلق بعين ذلك المحرم؟ يحتمل المعنيين) (٢٠).
قلت: هذا أقرب شيء لهذا القسم، بخلاف المثالين الأولين.
ومن القسم الأول أيضاً قالت الحنفية: لا يجوز أن يوتر بركعة واحدة بل بثلاث بتسليمة واحدة، لنهيه عليه الصلاة والسلام عن البتراء، وهي الركعة الواحدة المنفردة (٢١)، قلنا: يحتمل ما قالوه، ويحتمل أن يريد ركعة منفردة ليس قبلها شيء، والاحتمالان ظاهران.
قلت: الاحتمالان ظاهران، ويترجح ما قلناه بالحديث الآخر: "فإذا خشى أحدكم الصبح فليصل ركعة واحدة توتر له ما قد صلى".
ومن القسم الثاني قوله عليه الصلاة والسلام لمن أسلم على عشر نسوة: "أمسك أربعًا وفارق سائرهن" (٢٢). قال أبو حنيفة: إن عقد عليهن عقودا مرتبة لم يجز له أن يختار من المؤخَّرات، لفساد العقد عليهن، والخيار في الفاسد لا يجوز. وإن كان عقد عليهن عقدًا واحدًا جاز له الخيار لعدم التفاوت بينهن، وسوَّى
---------------
(٢٠) أخرجه الشيخان: البخاري ومسلم، وكذلك الإمام الترمذي رحمهم الله عن ابن عباس رضي الله عنهما بلفظ: إن رجلاً كان مع النبي - صلى الله عليه وسلم - فوقصته ناقته (أي وهو محرِم، فمات، وقال - صلى الله عليه وسلم -: إغسلوه بماء وسِدْر، وكفنوه في ثوبيه، فإنه يُبْعَث يوم القيامة مُلَبِّيًا.
(٢١) عن ابن عمر رضي الله عنهما قال: "صلاة الليل مَثْنى مثنى (أي ركعتين ركعتين)، فإذا أردت أن تنصرف فاركع ركعة توتر لك ما قد صليت".
(٢٢) هو غيلان بن سلمة الثقفي، رواه الترمذي وابن ماجه رحمهما الله عن عبد الله بن عمر رضي الله عنهما. ومثله حديث أبى داود رضي الله عنه أن قيس بن حارث أسلم وعنده ثمان نسوة، فأمره النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يختار أربعًا.
فالوقوف عند حد أربع نسوة، وعدم تجاوزه إلى أكثر هو أمر صريح واضح شرعًا، من خلال هذه الأحاديث النبوية، والتى هي تفسر وبيان لقوله تعالى في محكم كتابه الحكيم: {فَانْكِحُوا مَا طَابَ لَكُمْ مِنَ النِّسَاءِ مَثْنَى وَثُلَاثَ وَرُبَاعَ}، أي أبيح لكم التزوج بما طاب لكم من النساء في حدود اثنتين إلى ثلاث أو أربع، وتزوج النبي - صلى الله عليه وسلم - بأكثر من أربع نسوة هو خصوصية من خصوصياته عليه الصلاة والسلام بإجماع علماء المسلمين سلفًا وخلفًا، وتلك حدود الله وشرعه الحكيم وسبيل المؤمنين.
الصفحة 230
535