كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
مالك والشافعي, لأنه عليه الصلاة والسلام أطلق في القضية ولم يستفصل، فكان
ذلك كالتصريح بالعموم، ولو أراد أحد القسمين لاستفصل.
فإن قيل: لعله عَلِمَ حال غيلان، قلنا: الأصل عدم العلم. وأيضًا فهذه قضية يتقرر حكمها بحسب الكل لا بحسب غيلان، ومثل هذا شأنه البيان والإِيضاح.
ومن القسم الثانى أيضًا قوله عليه الصلاة والسلام للمفَرط في رمضان: "أعتق رقبة"، فهو ظاهر في وجوب الإعتاق، ولا إجمال فيه من حيث احتمال الرقبة أن تكون سوداء أو بيضاء، أو ذكرًا أو أنثى، وهذا لأن الاحتمالات في محل الحكم لا في دليله (٢٣).
ومنه أيضًا قوله - صلى الله عليه وسلم -: "إذا شهد عدلان فصوموا وأمسكوا"، فالعدلان يحتمل أن يكونا عربيين أو عجميين، أو شيخين، أو غير ذلك فلا يعتير, لأن الاحتمال في محل الحكم لا فى الدليل (٢٤).
ومنه أيضاً قول الله -عَزَّ وَجَلَّ-: "فصيام ثلاثة أيام في الحج وسبعة إذا رجعتم"، والمرجوع إليه يحتمل المشرق والمغرب وغير ذلك، فلا اعتبار به، فظهر الفرق بين المعنيين، والله أعلم (٢٥).
---------------
(٢٣) علق ابن الشاط على هذه المسائل الثلاث المذكورة في هذا القسم الثاني، فقال: هذه المسأله (أي مسألة عتق الرقبة من المفطر في رمضان) والمسألتان بعدها ليست من مسائل ما يجرى مجرى العموم لترك الاستفصال، بل هي مسائل الإطلاق المقتضى تخيير المكلف في مختلف الأشخاص والصفات والأحوال، فليس ما أورده القرافي من هذه المسائل الثلاث لما وقع تصديق الكلام به بمثال، والحمد لله الكبير المتعال.
(٢٤) عن حسين بن الحارث قال: خطب أمير مكة (وهو يومئذ عبد الله بن عمر رضي الله عنهما)، ثم قال: عهد إلينا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - أن ننسك للرؤية (أي أن نتعبد الله إذا رأينا الهلال بعبادة الصوم أو الحج في شهره)، فإن لم نره وشهد شاهدا عدل نسكنا بشهادتهما، (أي اعتمدناها في الرؤية وأخذنا بها وعملنا بها) رواه أبو داود والدارقطني، وصححه، رحمهما الله ورحم سائر أئمة الحديث وأهل العلم والفقه في الدين ورحم كافة المسلمين.
(٢٥) سورة البقرة: الآية ١٩٦.
الصفحة 231
535