كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

والسلام: "لا نكاح إلا بولي" (٢٨)، لا يلزم من بطلان النكاح بلا ولي لفقد الشرط، صحة النكاح لوجود ذلك الشرط الذي هو الولي، وكذلك قوله عليه الصلاة والسلام: "لا صلاة لجار المسجد إلا في المسجد" (٢٩). لا يقتضي حصول الصحة أو الفضيلة له إذا صلى في المسجد، لجواز أن يصليها في المسجد وتكون باطلة. والسر في ذلك كله واحد، وهو أن الشرط لا يلزم من وجوده شيء.
قلت: هذا ما قرره شهاب الدين رحمه. وحقه أن يقول: الاستثناء من النفى إثبات في الشرط مطلقًا، وفي الْأَيمان عند مالك ومن قال بقوله، فإنه قال في فرق آخر، وهو الثاني والسبعون (٣٠)، هذا، فقال رحمه الله: ذهب مالك إلى أن الاستثناء من النفى ليس بإثبات فى الأيمان، وذهب غيره إلى أنه إثبات. فمالك يقول: إذا قال أحد: والله لا لبست ثولاً إلا كتانًا، إذا لبس الكتان فلا حنث عليه، وإذا لبس غيره حنث، فإذا جلس عريانًا فلا يحنث عنده، ويحنث عند غيره بأن يجلس عريانًا، وبأن يلبس غير الكتان، وهذا لأن الكتان قد استثني من النفى السابق، فيكون إثباتا، فيكون كلامه جملتين: جملة سلبية، وجمله ثبوتية بحسب ما قبل الاستثناء وما بعده. وقد دخل القسم عليهما فيحنث بوجهين. وعند مالك لا يحنث إذا بقي عريانًا، وإنما يحنث إذا لبس غير الكتان. ولنا وجوه:
---------------
(٢٨) رواه الإمام أحمد وأصحاب السنن عن أبي بردة بن أبي موسى عن أَبيه رضي الله عنهما. وقال عنه الإمام محمد بن إسماعيل الصنعاني كتابه الشهير: سبل السلام على شرح (بلوغ المرام من جمع أدلة الأحكام) للحافظ ابن حجر العسقلانى، رحمهما الله جميعًا: والحديث دل على أنه لا يصح النكاح إلا بولي, لأن الأصل في النفي نفي الصحة لا الكمال، فالجمهور على اشتراطه، وأنه لا تزوج المرأة نفسها، وحكى عن ابن المنذر أنه لا يعرف عن أحد من الصحابة خلاف ذلك، وعليه دلت الأحاديث، وقال الحنفية أنه لا يتشرط، محتجين بالقياس على السلع، فإن للمرأة الرشيدة أن تبيع سلعتها من متاع وغيره بنفسها، قال الإمام الصنعاني: وهو قياس فاسد الاعتبار، إذ هو قياس مع نص".
(٢٩) أخرجه الإِمام الدارقطني عن جابر وأبي هريرة رضي الله عنهما، ورمز له الإمام السيوطي بالضعف في كتابه الجامع الصغر.
(٣٠) هو الفرق الثاني والسبعون بين قاعدة: الاستثناء من النفي إثبات في غير الأيمان، وبين قاعدة الاستثناء من النفي ليس بإثبات في الأيمان، جـ ٢. ص ٩٣.

الصفحة 233