كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
الأول أنّ إلّا تُسْتَعمل للإخراج وللوصف كقوله تعالى: {لَوْ كَانَ فِيهِمَا آلِهَةٌ إِلَّا اللَّهُ لَفَسَدَتَا} (٣١)، فهي ها هنا للوصف لا للإخراج، فلا ثبوت بها بعد النفي (٣٢).
الثاني أنا لو سلمنا أنها للإِخراج نقول: القسم يحتاج في جوابه إلى جملة واحدة، وقد حصل بقوله: لا لبست ثوبًا، إذ لو سكت ثمة لكان مجزيا، والأصل عدم تعلقه بالجملة الثَّانية التي بعد إلا، وإذا لم يتعلق بها القسم كان لبس الكتان غير محلوف عليه، فلا يحنث إذا جلس عريانًا، وهو المطلوب.
قلت: ليس المطلوب الحنث ولا عدمه هنا، إنما الطلوب الاستثناء من النفى، إثبات أم لا؟ ، والحِنْثُ وعَدَم الحِنْثِ من لوازم ذلك. وهذا الدليل الثاني جاء لا على المطلوبِ الذى وقع فيه النزاع.
ثم أنه قد مضى لنا فيما تقدم من القواعد أنه إذا أضيف مالا يستقل بنفسه إلى ما استقل بنفسه صيَّر المستقِل غير مستقل. فأنت إذا قلت: والله لا لبِست ثوبًا، هُوَ وإن كان مستقلاً، إذا قلت: إلَّا كتانا صار غيرَ مستقل، وكذا الشرط، ومع هذا كيف يقال هذا الذي ذكره هنا؟ والله أعلم.
قال: الثالثُ: سَلّمنا أنه (أي الاستثناء من النفى) يتناول الجملتين، لكن الاستثناء في هذه الصورة عندنا من إثبات فيكون نفْيًا.
بيانه أن معنى الكلام أن جميع الثياب محلوف عليها إلا الكتان، فكأنه قال: أحْلف عليه, لأن الاستثناء من الحلف الذى هو ثبوتي يكون نفْيًا، وإذا كان الكتان غير مُقْسمٍ عليه لا يحنث بتركه وهو المطلوب.
---------------
(٣١) سورة الأنبياء: الآية ٢٢.
(٣٢) أي فيكون تفسير الآية ومعناها: لو كان فيهما (أي في السماء والأرض) آلهة غير الله لفسدتا، لكنهما لم تفسدا في وجودهما ونظام تدبيرهما، فليس فيهما إلا الله وحده، فهو الخالق الموجد لهما والمبدع لهما على غير سبق مثال، والمدبر لهما ولما فيهما من مخلوقات، وكائنات حية في مختلف الاعصار والاجيال, إلى أن يرث الله الأرض ومن عليها وهو خير الوارثين. فهذه الآية الكريمة جمعت بين كونها دليلاً نقليا لكونها آية من كتاب الله العزيز، ودليلا عقليا لما فيها من مخاطبة العقل عن طريق الاستدلال العقلي على طريق القياس.
الصفحة 234
535