كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

القاعدة الثامنة (٦٢)
نقرر فيها الفرق بين النية المخصصة وبين النية المؤكدة.
وقد وقع الغلط للفقهاء بسبب عدم تحقيق هذه القاعدة، فالحالف إذا جآءهم وقال: حلفتُ لا لبِست ثوبًا ونويتُ الكتان يقولون له: لا تحنثُ بغير الكتان. وهو خطأ بالإِجماع.
وطريق كشف الغطاء في ذلك أن الحالف إذا أطلق اللفظ العام وقد نوَى جمج أفراده فلا كلام أنه حانث بكل فَرْدٍ من الأفْرَادِ، لوجود اللفظ العام والنية الموكِّدَة لصيغة العموم، فإن اطلق اللفظ العام من غير نية، ولا بساط، (٦٣) ولا عادة مقيدة حنَّثْناه كذلك، للوضع الصريح، فإن أطلق اللفظ العام ونوى بعض
---------------
(٦٢) هي موضوع الفرق التاسع والعشرين بين قاعدة النية المخصصة وبين قاعدة النية المؤكدة، جـ ١، ص ١٧٢. قال عنه الإِمام القرافي في أوله:
هذا الفرق ايضا ذهل عنه كل من يفتى من أهل العصر، فلا يكادون يتعرضون عند الفتاوى للفرق بينهما إلى آخر كلامه في هذا الفرق، مما اختصر، الشيخ البقوري في هذه القاعدة الثامنة. وقد عقب ابن الشاط على هذا الكلام عند القرافي فقال: ما قاله من تحنيث الحالف المطلق اللفظ العام، الناوي لبعض ما يتناوله، الغافل عن سواه، فيه نظر، فإن النية هي أول معتبر في الحالِف ثم السبب والبساط، وهُما إذا اقتضيا تقييد اللفظ أو تخصيصه نزل لفظ الحالف المطلق ذلك ولم يحْنَثْ بما عداه. ولم يكن ذلك كذلك، إلا لأن السبب والبساط يدلان على قصده التقييد والتخصيص، فإذا نوى أحدهما فهو ما يدل على السبب والبساط، فلأن يعتبر التقييد والتخصيص المنويان أولى من المستدل عليهما بالسبب والبساط.
فليتأمل كلام القرافي وتعقيب ابن الشاط عليه في هذا الفرق وفي هذا الموضوع المتعلق باليمين وما يترتب عليها من حنث أو عدمه، فإنه موضوع هام ودقيق جدًا، قد يغفل عنه كثير من الفقهاء كما قال القرافي رحمه الله.
(٦٣) البساط في اصطلاح الفقهاء هو السبب المثير للحلف واليمين، ويسمى بساط الحال، وبه يستدل على نية الحالف إذا غابَتْ، فهو أحد الأمور الأربعة التي تحمل عليها اليمين، وهي: النية إذا كانت مما يصلح لها اللفظ، والثانى بساط الحال كما بيناه، والثالث العرف، أي ما يقصده الناس من عرف حلفهم وايمانهم. الرابع مقتضى اللفظ لغة وشرعًا، وفي ترتيب هذه الأمور أقوال أربعة: المشهور أنها على الترتيب الذي ذكرناه كما ذكره وأوضحه الفقيه المالكي الشهير ابن جُزي في كتابه القوانين الفقهية، وكذا غيره من الفقهاء في مؤلفاتهم وكتبهم الفقهية، فليرجع أيها من أراد التوسع في ذلك.

الصفحة 246