كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

ويرِدُ على هذا أن قول القائل: والله لا لبست ثوبًا كتانا، وهو غافل عن غير الكتان فإنه لا يحنث بغير الكتان إجماعًا، فكذلك ما نحن فيه.
قال شهاب الدين -رحمه الله-: هذا القياس باطل، بسبب قاعدة تقدَّم تقريرها، وهي أن ما لا يستقلُّ بنفسه إذا أضيف إلى ما يستقل بنفسه صيَّره غير مستقل بنفسه، وهذا كقولهم: عندي عشرة دراهم إلا درهمًا (٦٦)، وإذا كان هذا هكذا في الاقرارات ففى الأيمان أحْرى. وإذا كان الأمر كذا فلا عموم فيه، وإنما العموم في قولك: والله لا لبست ثوبًا، فالفرق بيْنَ الموضعين بيِّنٌ، فلا قياس.
فإن قلت: فلم لمْ تُجعَلْ الصفة اللاحقَة للعموم مؤكدةً للعموم في بعض أنواعه، وهو الكتان، (٦٧) ويبقى اللفظ على عمومه في غير الكتان فيحنث بغيره كما قلتم في النية، فالتأكيد كما يتصور بالنية يتصور باللفظ، وإن يَجئ اللفظ مؤكدا لكثير (٦٨) فقد جاء بالحروف وبالأسماء وبالأفعال وبالجمل (٦٩).
---------------
(٦٦) في نسخة ع، إلا درهم، وهو غير صواب، والصواب: إلا درهمًا بالنصب، إذ القاعدة أن المستثنى بإلا يكون منصوبًا إذا كان الكلام موجبًا (اى غير منفي)، وكان الكلام تامًا (بأن ذكر المستثنى منه) وفي ذلك يقول امام النحوي عصره محمدْ بن عبد الله بن مالك الأندلسي في ألفيته النحوية:
ما استثَنت إلا معْ تمام ينتصبُ ... وبَعدَ نفْي أو كنفْي انتخب
ابدالُ ما اتصل وانصبْ مما انقطعْ ... وعن تميم فيه إبْدال وقَع
(٦٧) هذا التساؤل من كلام القرافي في هذا الفرق، وليس من تعقيب أو إضافة الشيخ البقوري رحمه الله كما قد يتبادر، وكما هي عادته في أكثرية مثل هذه العبارات وأغلبها، حيث يوردها لاضافة شيء أو تعقيبه على مسألة أو قاعدة عند نسخه القرافي رحمهما الله جميعا.
(٦٨) في نسخة ح: وأن يجئ اللفظ مؤكدًا كثير"، على اعتبار أن كلمة كثير، هي خبر للمبتدأ المؤول بالمصدر، (اى مجيء) على حد قوله تعالى: {وَأَنْ تَصُومُوا خَيْرٌ لَكُمْ}، أي صيامكم خير لكم. فحرف أن من الحروف التي تؤول مع مما بعدها بالمصدر، وقد جمعها بعضهم في بيت فقال: مصدرُنا الحرفِيُّ أن، أن، ولَو ... وكي، وما، وفي الذي خُلْف حكَوا. وعلى نسخة ع: "وإن يجئ اللفظ مؤكدًا لكثير، فقد جاء بالحروف ... الخ.
وفي الجملة شرط وجوابُه، والمعنى صحيح وسليم على كلتا النسختين، وإن كانت عبارة نسخة ح أظهر وأبين.
(٦٩) قال القرافي هنا قبل الجواب عن السؤال: هذا السؤال حَسَنٌ وقويٌّ، وقلَّ من يتفطن له.

الصفحة 248