كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
وكان الشيخ عز الدين بن عبد السلام -رحمه الله- من الشافعية يورد على هذا سؤالا ويقول: الوصف الغالب أَولى أن يكون حجة مما ليس بغالب، من حيث أن الوصف الغالب على الحقيقة لا فائدة في ذكره للسامع، لأنه عالم به، إلا أن يقال: كان ذلك لغرض أن يبقى كذا، أعنى سَلب الحكم عن المسكوت عنه، وأما إذا لم يكن غالبا فقد يحتاج السامع أن يعلم أن ذلك الوصف لتلك الحقيقة.
قال شهاب الدين رحمه الله: وأُورد لك ثلاث مسائل، توضح لك القاعدتين والفرق بينهما.
المسألة الأولى (١١): استدل الشافعية بقوله - صلى الله عليه وسلم -: "في الغنم السائمة الزكاة" على أن لا زكاة في المعلوفة، ولا دليل لهم، لما قلنا من أن الوصف الغالب لا حجة فيه إجماعا، وأيضا فهو متروك، لقوله - صلى الله عليه وسلم -: "في كل أربعين شاةً، شاةٌ".
المسألة الثانية: قوله - صلى الله عليه وسلم -: "أيما امرأة أنكحت نفسها بغير إذن وليها فنكاحها باطل" (١٢) مفهومه أنه إذا أذِن لها وليها صح نكاحها، وهذا المفهوم مُلغى، بسبب أنها لا تُنكِح نفسها إلا ووليها غير آذن لها غالبا، فكان ملغى.
---------------
(١١) علق ابن الشاط على ما جاء عند القرافي، ولخصه تلميذه البقوري في هذه المسألة، فقال: "ما قاله من أنه لا دليل للشافعية في حديث الزكاة في الغنم السائمة، لوجهين: الأول أنه خرج مخرج الغالب" قد سبق ما أورده عليه عز الدين بن عبد السلام، والثاني، وهو أنه معارض بمنطوق الحديث الآخر، لَا بأس به. اهـ.
(١٢) أخرجه بعض الأئمة من أصحاب السنن، وتمامه - كما أورده الحافظ بن حجر في كتاب (بلوغ المرام من أدلة الأحكام): "فإن دخل بها فلها المهر بما استحل من فرجها، فإن اشتجروا فالسلطان ولي من لَا وَليَ لها".
قال العلامة الصنعاني في شرحه سُبُل السلام: هذا الحديث صححه أبو عوانة، وابن حِبان، والحاكم، وهو دليل على اعتبار ولى المرأة في عقد الزواج ركنا من أركان العقد، كما هو ظاهر وواضح ايضا من الحديث الذى رواه أصحاب السنن وهو: "لا نكاح إلا بولى" أي لا نكاح صحيح إلا بمباشرة الولي لِعقد النكاح على ولِيّتِه من بنته أو أُخته، مثلا، لأن الأصل في النفي نفي الصّحّةِ لا الكمال. وقول الحنفية بعدم اشتراط الولي في العقد، محتجين بالقياس على البيع، من حيث أن المرأة الرشيدة تستقل ببيع ما تملكه لنفسها من متاع وغيره، قياس فاسد الاعتبار، إذ هو قياس
الصفحة 260
535