كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

الصورة الثامنة: نقل ابن حزم في مراتب الإجماع إجماع الأمة على قبول المرأة الواحدة في إهداء الزوجة لزوجها ليلة العرس، مع أن الأصل فيه ألا يقبل إلا رجلان، لأنها شهادة متعلقة بالنكاح، لكنه جاز ذلك، للقرائن المنضافة إلى ذلك الخبر، التي يبعد معها التدليس (١٧) والوقوع فيما لا ينبغي، ويكفي هذا القدر فيما أردنا بيانه.
تنبيه: قال ابن القصار: قال مالك: يقبل قول القصاب في الذكاة، ذكرا كان أو أنثى، مسلما أو كتابيا، ومن مِثله يَذبح، وليس هذا من باب الرواية أَو الشهادة، بل القاعدة الشرعية أنَّ كل واحد، مؤتمنٌ على ما يدعيه مما هو تحت يده. فإذا قال الكافر: هذا مالى صُدِّق، وكذلك إذا قال: هو مُذَكّىً صُدِّق، ولا يُعَد ذلك شهادةً ولا رواية، فليس هذا من الفروع المترددة بين القاعدتين. (١٨)
فإن قلت: ما قررته من الفرق ينتقض بالشهادة بالوقف على الفقراء
---------------
(١٧) هكذا جاءت العبارة في جميع النسخ بتذكير اسم الموصول، وتأنيث العائد عليه، وهو غير متناسب، فلعله من الناسخ، فإما أن يعود الضمير بالتأنيث على اسم الموصول المؤنث التي فيكون وصفاً للقرائن، وإما أن يكون العائد مذكرا مطابقا لاسم الموصول الذى هو وصف للخبر، إذ القاعدة إن اسم الموصول تأتي بعده جملة صلة لا محل لها من الإعراب، وتكون مشتملة على ضمير مناسب له في التذكير والتأنيث، والإفراد والتثنية والجمع، وهو ما أشار إليه محمد بن مالك. في بيت من ألفيته حيث قال:
وكلّها يلزمُ بَعْدَهُ صِلَة ... على ضِميرٍ لائقٍ مشتملةٌ
(١٨) قال ابن الشاط هنا: هذه المسألة وإن لم تكن من تينك القاعدتين فهي من جنس المسألتين قبلها. وما ذكره القرافي فيها من أن كل واحد، مؤتمن على ما يدعيه مما هو تحت يده ومصدَّق فيه، معناه أنه لا يتعرض له برفع يديه عنه، وليس المعنى بذلك أنه محق عندنا في دعواه، ومسألة القصاب مع ذلك ليست من هذه القاعدة، بل هي من جنس المسألتين اللتين قبلها: (مسألة تقليد الصبي والأنثى، ومسألة قبول قول المرأة الواحدة في هدية الزوجة لزوجها) كما تقدم ذكره، لأن المقصود من هذه المسألة ليس تركه وما يدعيه بالنسبة إلى ملك ما تحت يده، بل المقصود منها، هل يستباح أكلها، بناء على خبره أم لا؟ ، فلا أعْلم لتجْوِيز الاستباحةِ بناء على ذلك إلا إلجاء الضرورة إلى ذلك، للزوم المشقة عند عدم التجويز، مع ندور الخلو عن القرائن المحصلة للظن كما سبق، والله أعلم.

الصفحة 270