كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

أما الوقف فالمقصود بالشهادة فيهِ الواقف وإثبات ذلك عليه، وهو شخص معين ينتزع منه مال معين، فكان ذلك شهادة، ثم اتفق أن الموقوف عليه، فيه عموم، وليس ذلك من لوازم الوقف، قد يكون على معين وقد يكون على غير معين، وهكذا في كل شيء، الأصل ما ذكرناه، وغيره جاء بالعَرَضِ، ولا يلتفت إليه. غير أن كون الأرض عنوة أو صلحا يمكن أن يقال: هو من باب الرواية، ويمكن أن يقال: هو من باب الشهادة لكون الأرض جزئية لا يتعداها الحكم إلى غيرها.
---------------
= أما الجزء فهو على عكس الكل، هو الذى يتركب منه ومن غيره من الأجزاء الأخرى كل، مثل الوجه، واليد، والرجل بالنسبة لجسم الإنسان الذى هو كل، ومثل الرجل والمرأة من قبيلة معينة. أما لفظ الكلية في اصطلاح المناطقة فهى القضية المسوَّرة بالسور الكلي (أي المحاطة به) مثل كل، ومن، وما من صيغ العموم، المحكوم فيها على كل فرد من أفرادها، مِثْل قوله تعالى: " {كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ} و {كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ رَهِينَةٌ}
ويقابلها الجزئية، وهي القضية المسورة بالسور الجزئي، المحكوم فيها على بعض أفراد الموضوع، مثل قول القائل: حضر بعض الطلبة في المحاضرة، أو بعض الإنسان كاتب، أو بعض الحيوان ليس بإنسان.
والملاحظ من خلال تعريف هذه الألفاظ والمصطلحات أن الكل والجزء، وكذا الكلي والجزئى يتعلق بالأسماء المفردة وينصَب عليها وعلى مدلولاتها، بينما الكلية والجزئية وصف للقضايا التركيبية والجمل المركبة، وتتعلق بها. وقد جمع هذه المصطلحات، ونظمها العلامة الأخضري فى منظومته المعروفة بالسلّم على المنطق، فقال فيها رحمه الله:
الكل حكمنا على المجموع ... ك كل ذاك ليس ذا وقوع
وحيثما لكل فرد حكما ... فإنه كلية قد علِمَا
والحكم للبعض هو الجزئية ... والجزء معرفته جلية
وقول الناظم هنا: ككل ذاك ليس ذا وقوع، إشارة إلى حديث أبي هريرة رضي الله عنه في قصة الصحابى ذى اليدين، قال أبو هريرة: صلى بنا رسول الله - صلى الله عليه وسلم - صلاة العصر فسلم من ركعتين، فقام ذو اليدين فقال: أقصرت الصلاة أم نسيت يا رسول الله؟ فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: كل ذلك لم يكن، فقال ذو اليدين: بل بعض ذالك قد كان، فقال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -: أصدق ذو اليدين؟ ، فقال الناس: نعَمْ، فقام رسول الله - صلى الله عليه وسلم - فصلى ركعتين أخريين ثم سلَّم، ثم كبَّر فسجد سجوده أو أطول، ثم رَفع" اهـ.
وإنما أتيت بهذا التعليق على ما فيه من طول، لاستحضار مصطلحات تلك الكلمات ومدلولاتها ومعانيها عند علماء الأصول والمنطق، وتيسير استذكارها عند ورودها في مثل هذه المؤلفات، وذلك بشيء من الإيجاز والاختصار، والتوسع فيها يستلزم من الدارس والباحث الرجوع إليها في مظانها من كتب أصول الفقه والمنطق. اهـ.

الصفحة 272