كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
وأما ما ذكر من الرواية فنقول: شبِّه المخْبِرُ بالنجاسة وبأوقات الصلوات بالمفتى، غير أنه يفارقه في أن المفتى يذكر الحكم من حيث هو الحكم الذي يعم الخلائق إلى يوم القيامة ولا يذكرُ سبَبَه، وهو أن يذكر أن سببه من حيث وقوعه في شخص معين فأشبَه الشهادة بهذا الوجه، فكان فيه شائبتان وشبهان لسائر الصور المذكورة قبلُ. (٢٢)
مسألة: ذكر شهاب الدين رحمه الله أن بعض شيوخه المعتَبرين رأى منقولا أن العبد إذا روى حديثا يتضمن عتقه تُقْبل روايته. (٢٣).
مسألة: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: إذا تعارضت البينتان في الشهادة ففى الترجيح ثلاثة أقوال: قول بأنه يقبل الترجيح مطلقا، وقول بأنه لا يقبل مطلقا، والثالث المشهور أنه لا يرجح بكثرة العدد.
والفرق أن الحكومات إنما شرعت لدرء الخصوم ورفع المنازعة، وفي الترجيح بكثرة العدد إطالتها، لأنه إذا زاد الواحد يدعي الآخر الزيادة، وهكذا أبدا، بخلاف الترجيح بالعدالة، فإنها صفة راجعة إلى القاضى لا إلى صاحب الحق، والعدد يرجع إلى المتخاصمين، فقد يدعي كل واحد الزيادة وياتي بغير عدل. (٢٤)
---------------
(٢٢) قبل وبعد، كلمتان معربتان بالخفض أو النصب على الظرفية، حالة ذكر المضاف اليه، أو في حالة حذفه مع نية ثبوت لفظه، فلا يقع تنوينهما، أو مع عدَم نية المضاف إليه، فيقع تنوينهما، أو في حالة حذف المضاف إليه مع نية معناه دون لفظه، تُبنَيَانِ على الضم، كما هو مقرر في محله ويكونان مبنيتين على الضم في حالة انقطاعهما عن الإضافة على حد قوله تعالى: {لِلَّهِ الْأَمْرُ مِنْ قَبْلُ وَمِنْ بَعْدُ}.
(٢٤) أي أن الزيادة في عدد أفراد البينة على التوالى من كل واحد من المتخاصمين يطيل النزاع وينشر الشغب؛ ولذلكم جاء عند القرافي في مسألة تعارض البينتين قوله هنا: قال أصحابنا وغيرهم من العلماء: إذا تعارضت البينتان في الشهادة يقبل الترجيح بالعدالة، وهل ذلك مطلقا أو في أحكام الأموال خاصة؟ وهو المشهور، أو لا يقضى بذلك مطلقا؟ ثلاثة أقوال، والمشهور أنه لا يرجح بكثرة العدد والفرق أن الحكومات (أي التحاكم والتقاضى بالأحكام الشرعية أمام القضاء) إنما شرعت لدرء الخصومات ورفع التظالم والمنازعات، فلو رجحنا بكثرة العدد لأمكن للخصم أن يقول: أنا أزيد في عدد بينتي، فنمهله حتى يأتي بعدد آخر أيضا، فيطول النزاع ويبطل مقصود الحكم.
الصفحة 273
535