كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

مسَمى مجْملا لم يُعْلم تفصيله، فبسطنا له ذلك المسمى، وقلنا: هو الحيوان الناطق الذي أنت تعرفه، ولم يحصل له بالحد إلا بيان نسبة اللفظ، وخروجنا من حَيِّز الإجمال إلى حيِّز التفصيل، ولذلك قال العلماء في حد الحد: هو القول الشارح، وبهذا يزول الدَّور عن حميع الحدود إذا كان مدركها هذا المدرك، نحو قولهم: العلم معرفة المعلوم، وما أشبه ذلك. (٣٣)
وأما الإنشاء فهو القول الذي يوجد به مدلوله في نفس الأمر أو متعلقُه، وقولنا: بحيث يوجد به، ولم نقل: يوجب، احتراز من صيغ الإِنشاء إذا صدرت من سَفيهٍ، فإنه لا يترتب عليها وجود مدلولها.
وقَوْلُنا: في نفس الأمر، احتراز من الخبر، فإنه يترتب عليه وجود المدلول، لكن عند السامع لا في نفس الأمر، ولهذا يحتمل خبرُه الصدق والكذب، وقولنا: أو متعلقه، ليندرج في الإنشاء الانشآت النفسية، فإن الكلام يكون بالقول وبالنفس وهو لا دلالة فيه ولا مدْلول. (٣٤)
ويقع الفرق بين الخبر والِإنشاء على هذا من أربعة أوجه:
الوجه الأول، أن الإنشاء سبب لمدلوله، والخبر ليس سببا لمدلوله، فإن العقود أسباب لمدلولاتها، بخلاف الأخبار.
الوجه الثاني أن الإنشاءات تتبعها مدلولاتها، والأخبار تتبع مدلولاتها، وهذا كالطلاق والملك إنما يقعان بعد صدور صيغة الطلاق والبيع، وأما أن الخبر تابع لمخبره، فيعنى أنه تابع لتقرير مخبره في زمانه، ماضيا كان أو حاضرا أو مستقبلا.
---------------
(٣٣) عقب ابن الشاط على كلام القرافي هنا فقال: الذي ذهب إليه من أن الحد إنما هو شرح لفظ المحدود يعني اسمه، هو رأى الإِمام الفخر الرازي، وقد خولف في ذلك، وفي المسألة نظر يحتاج إلى بسط يطول ويعسُرُ، وصحة الجواب مبنية على ذلك.
(٣٤) عبارة القرافي هنا: فإن كلام النفس لا دلالة فيه، ولا مدلول، وإنما فيه متعلق ومتعلق خاصة، مما سيأتي بيانه في مسائل الإنشاء، فيقع الفرق على هذا البيان بين الخبر والإنشاء من أربعة أوجه ... إلخ.

الصفحة 277