كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

فقولنا: قام زيد، تبع لقيامه في الزمان الماضي، وقولنا: هو قائم، تابعٌ لقيامه في الحال، وقولنا: سيقوم، تابع لتقرير قيامه فى الاستقبال، وليس المراد بالتبعية التبعية في الوجود، وإلا لما صدق ذلك إلا في الماضى فقط، فبهذا المعنى يفهم معنى التبعية، ومثله قول العلماء رضي الله عنهم: العلم تابع للمعلوم، أي تابع لتقريره في زمانه.
الوجه الثالث: أن الإنشاء لا يقبل التصديق والتكذيب، (٣٥) بخلاف الخبر.
الوجه الرابع: أن الإنشاء لا يقع إلا منقولا عن أصل الوضع في صِيغ العقود والطلاق والعتاق ونحوهما، وقد يقع إنشاء في الوضع الأول كالأوامر والنواهى فإنها تنشيء الطلب بالوضع الأول اللغوي، والخبر يكفي فيه الوضع الأول في جميع صوره، فقول القائل: أنت طالق ثلاثا، كان أصله الإخبار بوقوع طلاقها كذلك، ولكنه خرج عن ذلك ونقل إلى الإنشاء.
ذكر شهاب الدين رحمه الله هنا تنبيهين حسَنيْن.
فالأول منهما قال: إعتقدَ جماعة من الفقهاء أن قولنا في حد الخبر: إنه يحتمل الصدق والكذب، أن هذا الاحتمال استفاده الخبر من الوضع اللغوي، وليس كذلك، بل لا يحتمل الخبرُ من حيث الوضع اللغوي إلا الصدق خاصة، لإجماع النحاة أن معنى قولنا: قام زيد، حصول القيام لزيد في الزمان الماضي، ولم
---------------
(٣٥) أي فلا يحسن لمن قال لزوجته: أنت طالق، أو قال لعبده: أنت حرٌّ، أن يقال له: صدق ولا كذب، إلا أن يريد به الإِخبار عن طلاق زوجته او عتق عبده، كما قال القرافي رحمه الله.
وقد عقب ابن الشاط على كلام القرافي الذي أورده البقوري في الأوجه الثلاثة فقال: "كلامه في هذه الأوجه الثلاثة ظاهر مستقيم.
وعلق على الوجه الرابع بقوله: لقائل أن يقول: بل يقع (أي الإنشاء) غير منقول على وجه الاشتراك، لكن يترجح قول المؤلف (القرافي) برجحان المجاز على الإشتراك.

الصفحة 278