كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
قلت: والجوابات كلها مبنية على التقدير، والقول به ما تمَّ ولا ثبت، فهذه الأجوبة كذلك.
قال شهاب الدين في الأجوبة كلها: إنها متجهة صحيحة، إلا الأخير فإن الجواب عنه لا يصح، إذ هو مكابرة، وقد قلنا ضعْفها من أين؟ وذكر أنه لم يَر هذه المباحث من الجهتين لأحد، وإنما هي من فضل الله عليه، فقد يريد أجوبة الحنفية التي ردها للتقدير، وأما المباحث التي قبلها فهي للإِمام فخر الدين صاحب المحصول، قدس الله روحه. (٤٤)
---------------
= وثانيها: أي الأمور والوجوه المستدل بها على أنها إنشآت، أنها لو كانت أخبارا لكانت إما كاذبة فلا عبرة بها، أو صادقة فتكون متوقفة على تقدم أحكامِها، فحينئذ إما أن تتوقف عليها أيضا فيلزم الدورُ، أو لا تتوقف عليها فيلزم أن يطلق امرأته أو يعتق عبده وهو ساكت، وذلك خِلافُ الإجماع.
فأجاب غير القائلين بهذا القول والوجه، وهم الحنفية، بأن الدور هنا غير لازم، لأن النطق باللفظ لا يتوقف على شيء، وبعْدَهُ بقدر تقدم المدلول، وبعْد تقدير المدلول يحصُل الصدق ويلزَمُ الحكمُ، فالصدق متوقف مطلقا، واللفظ متوقف عليه مطلقا، والتقدير متوقف على النطق ويتوقف عليه الصدق، فهذه أمور ثلاثة مترتبة بعضها على بعض، وليس فيها ما هو قبل الآخَر وبعْدَه حتى يلزم الدّوْرُ، بل هي كالابن والأب والجد في الترتيب والتوقف، فاندفع الدَّور.
فهذا جواب الحنفية عن الوجْه أو الأمر الثاني الذي استدَلَّ به غيرهم على أن صيغ العقود إنشآءات، حيث ردوا في جوابهم هذا ما يلزمهم من الوقوع فى الدور حين قولهم بأن صيغ العقود إخبارات، وكذا التفصيل لكلام غير الحنفية وجوابهم، وتوضيحه يظهر ما قاله البقوري في هذا الموضوع، وذكره بإيجاز واختصار، إذ الاختصار يبقي الكلام ومعناه أحيانا غير واضح الدلالة والبيان والتصور في الأذهان، وذلك هو الباعث على نقل كلام القرافي فيه بالإكمال والتمام، والله الموفق والمستعان.
(٤٤) وقد عقب الفقيه ابن الشاط على قول الحنفية وغيرهم، واحتجاجات كل طرف لوجهة نظره ورأيه ومذهبه فى صيغ العقود، هل هي من قبيل الإنشاء أم من قبيل الخبر، فقال:
أما احتجاجات غير الحنفية فصحيحة على تقدير أن المرام الظن، حاشا الأخير منها فهو قوى، يمكن فيه ادعاء القطع، (وهو أن الإنشاء هو المتبادر (أي في العرف) إلى الفهم (من صيغ العقود)، فوجب أن يكون منقولا كسائر المنقولات الدَّالة على معان غير المعاني الأصلية لها في الوضع.
وأما جوابات الحنفية فضعيفة كما قال ابن الشاط رحمه الله، وأوضح وجه ضعفها.
وجميع الأقوال ووجوه الاستدلال لكل مبسوطة عند القرافي في الفرق ومسائله، وعند الشيخ ابن الشاط فى تعليقه وتعقيبه على كلام القرافي رحمهما الله ورحم سائر المسلمين.
الصفحة 283
535