كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

ثم قال شهاب الدين رحمه الله: ولْنُرْدِفْ ذلك بمسائل جليلة ومباحث جميلة.
المسألة الأولى: ممَّا يتوهّم أنه إنشاءٌ وليس كذلك، بل هو خبر، الظهار في قول القائل لامرأته: أنت علي كظهْر أمّى، يعتقد الفقهاء أنه إنشاء للظهار، كقوله: أنتِ طالق، إنشاء للطلاق، وليسا سواء، وبَيانهُ من وجوه:
أحدها أنه قد تقدَّم أن من خصائص الخبَر قبولَ التصديق والتكذيب، والإنشاء بالعكس، والظهار موصوف بالكذب في القرآن من ثلائة أوجه: أحدها قوله تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ إِنْ أُمَّهَاتُهُمْ} فأكذبهم.
الثاني قولهُ: {وَإِنَّهُمْ لَيَقُولُونَ مُنْكَرًا مِنَ الْقَوْلِ}، والِإنشاء للتحريم لا يكون منكراً، بدليل الطلاق، وإنما يكون منكرا إذا جعلناه خبرا، فإنهُ حينئذ كذِبٌ.
الثالث قوله: {وَزُورًا}، والزور هو الخبرُ الكذب. (٤٥)
قلت: أما قوله تعالى: {مَا هُنَّ أُمَّهَاتِهِمْ} تكذيب، فليس بصحيح، لأنهم ما ادعوا أنهم أمهاتهم، بل قالوا: أنتِ علىّ كظهر أمّى، وإنما يكون تكذيبا لو قال الرجل: أنتِ أمّى لزوجه، وليس الظهار هكذا، وإنما المراد، هذا الحكم لا يلحقه، من حيث إنه ألحقه بعلة، وهى تشبيهُها بأمِّهِ، والأم حرمت بالعلّة التي فيها من الأمومة، وليس توجد تلك العلة في الزوجة أبدا. وقوله: {مُنْكَرًا} كذلك، حيث سوى بين المتنافيين. وقوله: {زُورًا}، المراد بالزور، الباطل الذي هو أعم من الكذب لا الكذب.
---------------
(٤٥) علق الفقيه ابن الشاط على هذا الوجه الثالث بقوله: "ما قاله القرافي في هذا الوجه ظاهر متَّجِهٌ. قلت: وهو بذلك يسير مع القرافي في قوله ومذهبه في اعتبار صيغة الظهار من قبيل الخبر لا من قبيل الإنشاء، على أنه سيأتي قوله في آخر تعليقه على ما ورد عند القرافي في الوجه الثاني المبيّن لكون الظهار من قبيل الخبر، فقد قال: وهو غير المذْهب. فلينظر وليتأمل

الصفحة 284