كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)
قال شهاب الدين: وثانيها أجْمعنا على أن الظهار يحرّمُ، وليس للتحريم مدْرَكٌ إلا أنه كذب، والكذب لا يكون إلا في الخبر، فيكون خَبَراً. (٤٦)
قلت: قوله: "وليسَ للتحريم مُدْرك إلا أنه كذب، ممنوع، بل مُدْرَكه تشبيه الزوجة التي يحلُّ وطْؤها - وحثَّ الشرع على وطئها - بالأم التي حرم الشارع وطْأها، فكان قد أتى بحكم خالف حكم الله الذي انبنى على الحكمة، فهذا هو مُدْرَكُهُ، وهو الحق، لا ما ذكره، والله أعلم.
قال رحمه الله: وثالثها أن الله شرع فيها الكفارة، وأصل الكفارة أن تكون زاجرة ماحية للذنوب، فدل ذلك على التحريم، وإنما يثبت التحريم إذا كان كذباً.
قلت: قولك: "وإنما يثبت التحريم إذا كان كذبا، ممنوع، بل ثبت التحريم بما ذكرنا، وهو ظاهر، لا أنه كذب.
قال رحمه الله: ورابعها قوله تعالى بعد ذكر الكفارة: {ذَلِكُمْ تُوعَظُونَ بِهِ} (٤٧)، والوعظ إنما يكون من المحرمات، (٤٨) كذلك أيضا قال، يكون محرّما، وما ذلك إلا لأنه كذِبٌ.
قلت: قوله فيها (أي في هذه الوجوه الاربعة التي استدل بها على أن الظهار خبر) بأجمعها واحد، والرَّد عليه كذلك واحد.
---------------
(٤٦) قال ابن الشاط معقبا على كلام القرافي هنا: لا نسلم أنه ليس للتحريم مدْرَك إلا أنه كذب، بل له مُدْرَك غيْرُه كما في الطلاق الثلاث، والجواب بأن الطلاق الثلاث هو المحرم لا لفظه به، ليس بصحيح، فإن المطلق ثلاثا في لفظ واحد يَصْدُر منه ما يتعلق به التحريم غير ذلك اللفظ، ولم يجمع بين الطلقات إلا باللفظ، أما بغيره فلا يتجه ولا يتأتى، بل يكون على قول من يلزمه بمجرد النية.
ثم زاد قائلا: وقول القرافي: وأما تحريم الظهار فلأجل اللفظ، قلت: هذه دعوى. وقوله: وليس في اللفظ ما يقتضى التحريم إلا كونه كذبا، قلت: هذه أخرى، وقوله: لأن الأصل عدم غيره (أي الكذب) قلت: هذا ممنوع، ولا يصح إلا على أن الظهار خبر وهو غيْرُ المذهب، فكيْفَ يبنى عليه الدليل. انتهى كلام ابن الشاط رحمه الله. فليتأمل فيه بفهم وبعد نظر.
(٤٧) سورة المجادلة، الآية ٣.
(٤٨) كذا في النسختين: من المحرمات، وعند القرافي: عن المحرمات، ويظهر أن حرف عن أظهر، لما في معنى الوعظ من النهي والزجْر، وهو يتعدى بحر الجر عن.
الصفحة 285
535