كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

منه حسن، ولا شئ يقبح في حقه. فلو أهلك العالم بأسره لكان له ذلك. والمعتزلة تقول، بناء على قاعدة الحسن والقبح: لا يجوز له فعل المفسدة ولا ترك المفسدة لذلك، ففي هذا القدر وقع الخلاف بيننا، وتحقيق هذا في مسائل أصول الدين. وهذا القدر كاف، والله سبحانه أعلم وأحكم (١٣).

القاعدة الحادية عشرة: إعلم أنه قد قدمنا أن الفضيلة والرذيلة مرتبة على حسب المصلحة والمفسدة، وكذلك الثواب والعقاب مرتب على ذلك لا على الأعمال، فاعلم أنه لا تعترض هذه القاعدة بقوله عليه الصلاة والسلام: "أكثركُمْ ثوابا أجهدكم عملا"، فإن ظاهره ترتيب الثواب على الأعمال، وكذلك أيضاً: {أدخلوا الجنة بما كنتم تعملون} (١٤)، كذلك: {من عمل صالحا فلنفسه، ومن أساء فعليها} (١٥)، {وأنْ ليس للانسان إلا ما سعى} (١٦)، لأنا نقول: إنا لا نمنع اطلاق ترتب الثواب والعقاب على الأعمال من حيث إن
---------------
(١٣) هذا الموضوع والبحث كما أشار اليه الشيخ اليقوري رحمه الله في إيجاز واختصار، هو من المبادئ والاصول التي وقع فيها الخلاف بين أهل السنة وبين المعتزلة، وتناولها بتوسع وتفصيل علماء التوحيد وأصول الدين، وكذا علماء أصول الفقه في مؤلفاتهم المختلفة. فأهل السنة يرون ويقولون بأن الحسن والقبيح أمران شرعيان، وأن الحسن ما حسنه الشرع، والقبيح ما قبحه الشرع، لا ينشأ عن فعل الحسن من الدح في الدنيا والثواب في الاخرى، ولا ينشأ عن فعل القبيح من الذمة في الدنيا، والعقاب في الحياة الاخرى، وأن الله تعالى لا يجب عليه فعل شيء من الاصلح وغيره، بينما يرى المعتزلة ويقولون: الحسَنُ ما حسنه العقل، والقبيح ما قبحه العقل، والشرع ياتي موافقا له، ومن ثم قالوا بأنه يجب على الله فعل الاصلح أو فعل ما هو مصلحة العباد، وفي ذلك يقول تاج الدين ابن السبكي رحمه الله في كتابه الشهير جمع الجوامع في أصول الفقه: "وحكمت المعتزلة العقل". وانتهى المحققون الى أن المعتمد من هذا الخلاف ما عليه أهل السنة من إخضاع العقل للنقل، وجعله تابعا له في المسائل الاعتقادية والاحكام الشرعية، وأن كل ما أراده الله وكان فهو فعل جميل وحسن، كما عبر عن ذلك بعضهم في بيتين فقال:
لو رحم العاصى وعذب المطيع ... أو رحم الكل وعذب الجميع
لكان ما فعل من ذا ممكنا ... كان فعله جميلا حسنا
(١٤) سورة فُصِّلَت: الآية ٤٦.
(١٥) سورة الجاثية: الآية ١٣.
(١٦) سورة النجم: الآية ٣٩.

الصفحة 49