كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

كان كذلك، وحصر جعلهم لذلك في طريق واحدة هي التعليق (٨).
القاعدة الثانية: المقدّرات لا تنافي المحقَّقات، بل يثبتان ويجتمعان. ويشهد لذلك أن الأمة إذا اشتراها شراء صحيحا أبيح له وطؤها بالإِجماع إلى حين الاطلاع بالعيب والرد به. وكذلك إذا قال: أعتق عبدك عني فأعتقه، فإنَّا نقدر دخوله في ملكه قبل عتقه بالزمن الفرد، مع أن الواقع عدم ملكه له. وكذلك دية الخطأ تورث عَنْ المقتولِ، ومن ضرورة الإِرث ثبوت الملك للموروث، فَنُقَدِّر (٩) ملكه للدية قبل موته بالزمن الفرد فيصح الإِرث، ونحن نقطع بعدم ملكه للدية حال حياته، فقد اجتمع الملك المقدر وعدمه المحقق ولم يتنافيا. وكذلك صوم التطوع يصح عندهم بنية من الزوال. هذه الوجوه قرر بها شهاب الدين القاعدة المذكورة (١٠).
قلت: وهو منازَع في ذلك كله، فإنا نقول:
لا تقدير في شيء مما ذكرته (١١). فالرد بالعيب رفع الحكم المتصل من اباحة الوطء وغيره وقطعه، وما قبل ذلك كان فيه إباحة الوطء محققا، ولا وجود لتقدير شيء يخالفه. وكذلك ورَّث الشرع ورثة المقتول خطأ من دية، ما ملكها قط، وكذلك عتق العبد عن زيد، جعل الشرع ذلك من غير تملك سابق له، لا تحقيقًا ولا تقديرا، والأمر في الصوم أبيَنُ.
---------------
(٨) علق الشيخ ابن الشاط على ما جاء عند القرافي في هذه القاعدة الأولى بقوله: جميع ما قاله القرافي في ذلك صحيح، غير قوله: ولو قال: جعلته (أي تعليق الطلاق وعتق العبد على دخول الدار وقدوم زيد) سببا من غير تعليق لم ينفذ ذلك، قال ابن الشاط: فهذا إنما يجري على قول الشافعية في تعيين الالفاظ، وإمَّا على قول أهل الذهب في عدم تعيينها فلا، والله أعلم.
(٩) في نسخة ح: فيقدر بالياء.
(١٠) عقب الفقيه ابن الشاط على ما جاء عند الإمام القرافي في هذه القاعدة، مما لخصه الشيخ البقوري، فقال: ما قاله القرافي في ذلك صحيح، غير قوله: كقربات الكفار، موجودة حقيقة، ومعدومة حكما. فإن أراد قرباتهم حال الكفر والارتداد فذلك صحيح، وإن أراد في حال الإسلام قبل الارتداد فذلك غير صحيح، والله أعلم.
(١١) في نسخة ح: مما ذكرناه. والذي في نسخة ع ذكرته بتاء الخطاب، وهي أبين وأظهر، فإن أبا عبد الله البقوري يعقب بذلك على شيخه القرافي، وكأنه أمامه يخاطبه ويحاوره في المسألة.

الصفحة 59