كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

القاعدة الثالثة: أن الحكم كما يجب تأخره عن سببه، كذلك يجب تأخره عن شرطه، ومن فرق بينهما فقد خالف الإجماع (١٢).
قلت: وأيضا، فقد تقدم لنا. أن الشرط اللغوي سبب، فإن المشروط يوجد بوجُودِهِ، إذ لو قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، فدخلتها، لزمه الطلاق.
قال شهاب الدين رحمه الله: إذا تقررت هذه القواعد، فنقول:
ليس من تقديم الطلاق على زمن اللفظ وزمن القدوم تقديم السبب على السبب، ولا المشروط على الشرط، لأنهُ عند وجود الشرط الذي هو القدوم - مثلا - يترتب عليه مشروطه بوصف الانعطاف على الأزمنة التى قبله، على حسب ما علقه، فهذا الانعطاف متأخر عَنْ الشرط، ولفظ التعليق بالتحريم فيما قبله إنما هو ثابت فيه تقديرا لا تحقيقًا.
قال: وبهذا يظهر أن العدة من يوم القدوم للمرأة في المسألة التى قال الفقهاء فيها: إذا قال لها: إن قدم زيد فأنت طالق قبل قدومه بسنة، فقدم بعد ذلك بسنة، أن العدة انقضت عند حصول الشرط (وهو القدوم)، ولا تعتد بعد ذلك، قال الضهاب: لأنه يوم لزوم الطلاق وتحريم الفرج، أما قبل ذلك فالإباحة بالإجماع، والعدة إنما تتبع المحقَّق لا المقدَّر.
وقال: فإن قالوا: تقدير الطلاق يمنع ثبوت الزوجية المبيحة للوطء. قلنا: المقدرات لا تنافي المحققات.
---------------
(١٢) علق الشيخ ابن الشاط على كلام الإمام القرافي في هذه القاعدة فقال:
ربط الحكم بسببه وشرطه وضعي، والأُمور الوضعية لا يلزم فيها على التعيين وجه واحد، بل هي بحسب ما وضعت له. فلو أن الحكم وضع على وجه التأخر عن سببه كان على ما وضع عليه، ولو أنه وضع على وجه التقدم على سببه كان كذلك، ولو أنه وضع على وجه أن يكون مع سببه لا متقدما عليه ولا متأخرًا عنه كان كذلك أيضًا. لكن الواقع من ذلك - فيما علمت - تأخر الحكم عن سببه وشرطه. كما حكى فيه الإجماع. وذلك في الأمور الشرعية المفتقرة للشرع. أما التى وكلت إلى قصد المكلف فهي بحسب قصده، والله أعلم.

الصفحة 60