كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

القاعدة الثانية: أنَّ اللفظ إذا دار بين مقتضاه اللغوي وبين مقتضاه الشرعي فَعَلَى الشرعي يُحمل.
القاعدة الثالثة: أن من تصرف فيما يملك وفيما لا يملك، نفذ تصرفه فيما يملك دون ما لا يملك.
إذا تقررت هذه القواعد فنقول:
قولك: إن طلقتك، يُحمل على المقتضى الشرعي لا على اللغوي. ثم هو لا يحمل على التحريم، لأنه يؤدى إلى ألا يجتمع الشرط مع مشروطه، وذلك باطل لا تقدم، فهو إنما يراد به طلقة واحدة أو طلقتانِ فيكمل له، الثلاث من الذي ذكر في الشروط. وما قاله ابن الحداد من التنافي يندفع من حيث إنه يقال: غاية ما فيه أنه اجتمع في الشروط ما يملك وما لا يملك، وقد قلنا في القاعدة: ينفذ التصرف فيما يملك ولا ينفذ فيما لا يملك، وهذا كمن قال: امرأتي وامرأة غيري طالق، تطلق زوجته عليه.
قلت: وامتناعه من أنه لا يحمل على التحريم، لما قاله من القاعدة، غير مسلَّم، من حيث إن عدم اجى خماع الشرط مع مشروطه في القضية كان لمانع منع منه. والذي قيل فيه إنه ليس بحكمة، أن يكون الشرط مع مشروطه لا يمكن اجتماعما، وهذا ليس كذلك، فإن الإمكان لا يرتفع للأسباب (*) وإلا بطلت الحقائق والطبائع.
المسألة الثالثة: قال الغزالي في الوسيط: إذا قال: إن حلفت بطلاقك فأنت طالق، ثم قال: إن دخلت الدار فأنت طالق، طلقت عليه في الحال، لأن تعليقه على الدخول حلف، بخلاف إذا طلعت الشمس فليس بحلف، لأن الحلف ما يتصور فيه منع واستحثاث.
قال شهاب الدين رحمه الله: هذا لقوله عليه السلام: "الطلاق، والعتاق من أيمان الفساق" (١٤). ولِنَصِّ العلماء على أن تعليق الطلاق منهي عنه.
---------------
*) في نسخة: فإن الإِمكان لا يَرْفع الأسباب، ولعل الأولى اظهر وأقربُ، فليتأمَّل.
(١٤) لم يسعف البحث فيما بين ايدينا واطلعنا عليه من كتب الحديث بالعثور على من اخرج نصه بهذا اللفظ.

الصفحة 62