كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

القاعدة الثانية: كما شرع الله الأحكام شرع مبطلاتها (١٩) وروافعها، وهذا كثير، ومنه أن حكم اليمين أثبته ثم رفعه الاستثناء.
قلت: قال شهاب الدين - رحمه الله - هنا: فلا يلزم أن يكون رافعا لحكم التعليق، كما أن الطلاق (٢٠) رافع للنكاح، لقوله عليه السلام: "من حلف واستثتى عاد كمن لم يحلف". وهذا مبتى على القاعدة الاولى، وقد ذكرنا أنه لم يصح له ذلك فيها، فكذلك ما ذكره هنا.
القاعدة الثالثة: مشيئة الله عز وجل واجبة النفوذ، فلذلك كل عدم ممكن يعْلَمُ وقُوعُهُ، يعلم أن الله تعالى أراده، وكل وجود ممكن يُعْلمُ وقُوعُهُ، يُعلم أن الله تعالى أراده، فتكون مشيئة الله معلومة قطعًا.
قلت: قوله: كل عدم ممكن يعلم وقوعه يعلم أن - الله أراده، إن أراد يُعْلَم أن الله أراد عدمه بحسب ذلك الوقت الذي كان فيه العلم فنعم، وليس كلامنا في ذلك، وإنما كلامنا في المشيئة بحسب الزمان المستقبل، وهي مبهمة علينا ولا بد. وإذا كان كذلك فمشيئة الله لا علم لنا بها حال قول القائل: أنت طالق إن شاء الله، لأنا لا ندري ما يكون في المستقبل.
قال شهاب الدين رحمه الله:
وأما مشيئة غيره فلا تعلم غايتها بل تظن (٢١)، وذلك إذا أخبرنا بها، فظهر بطلان ما يروى عن مالك وجماعة من العلماء من أنه علق الطلاق على مشيئة من
---------------
(١٩) في ح: بطلانها، ويظهر أن الأولى أصوب، لتوافقها مع روافعها، وهي جمع لاسم الفاعل وإن كان المعنى في كليهما يبْدُو متقاربًا ولا يختلف اختلافًا كبيرًا.
(٢٠) في ح: كما أن التطليق رافع لحكم النكاح.
(٢١) في نسخة أخرى ولا نعلم غايتها، بل نظن، بنون المضارعة في الفعلين، وما جاء عند القرافي يوضح ذلك بقوله: "وأما مشيئة غير الله فلا تُعلَم، غايتهُ أن يخبرنا، وخبره إنما يفيد الظن ... الخ. اهـ.

الصفحة 64