كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

فإذا قَال: إن دخلت الدار فأنت طالق، يحمل علَى دخولٍ مستقبل بطلاق لم يقع قبل التعليق إجماعا، والمشيئة قد جعلت شرطًا، ولا بد لها من مفعول، فالتقدير إن شاء الله طلاقك، فهذا المفعول إما أن يكون الطلاق الذي صدر منه في الحال، أو طلاقا في المستقبل، فإن كان الأول فنحن نقطع أن الله تعالى أراده في الأزل، وهذه الشروط أسباب، ويلزم من وجودها الوجود، فيلزم أن يطلق في أول أزمنة الامكان وقبول المحل عند أول النكاح، ولم يقل به أحد. وان كان المفعول طلاقا مستقبلا فيكون التقدير إن شاء الله طلاقك في المستقبل فأنت طالق، فالمشروط لهذا الشرط أن يكون مستقبلا، لأن المرتب على المستقبل مستقبل فلا تطلق في الحال. وإن كان المعنى إن شاء الله طلاقك بغير هذا الطلاق الملفوظ به الآن، فلا ينفذ طلاق حتى يتلفظ بالطلاق مرة أخرى، فلا يكون - أيضًا - الطلاق في الحال. قال (أي القرافي): أما استثناء الكل من الكل فعبث، فظهر بهذه القواعد وبهذا التقدير أن الحق في هذه المسألة عدم لزوم الطلاق في الحال (٢٤).
قلت: بحثه هنا من حيث ذكره لمفعول المشيئة، وتفريقه بين أن يكون الطلاق الأول أو غيره، بعيد، غايةً. ولو فرضنا القواعد التى بعد هذه سلمت له ما صح له مقصد، فكيف وقد مضى ما فيها.
فمن ضعف هذا البحث أنه قد قرر أن الشرط لا الاستقبال، وأن المرتب على المستقبل مستقبل. فإذا قلنا: قوله إن شاء الله شرط، فنقول: الطلاق هنا مستقبل ولا بد، من حيث الشرط الموجود في القضية، ثم مشيئة الله تعالى قديمة، لكن ظهورها هو الذي يحدث ويظهر أوْ لا، ولكنه لما كان لا يعلم ذلك وخفيت عنا مشيئة الله تعالى - لا كما قاله هو أن مشيئة الله معلومة - قال مالك رحمه الله: يلزمه الطلاق الآن لا في المستقبل، وجعل هذا الأمر كما لو علق بمشيئة زيد، وشاء في الوقت.
---------------
(٢٤) علق ابن الشاط على هذه المسألة عند القرافي بقوله: ما قاله في هذه المسألة من أن الحق فيها عدم لزوم الطلاق في الحال، ليس بصحيح، بل الصحيح لزومه في الحال كما سبق." والله أعلم. اهـ.

الصفحة 66