كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

المسألة السادسة: قال مالك في التهذيب: قوله: إن فعلت كذا فعلي الطلاق إن شاء الله، لا ينفعه الاستثناء. قال ابن يونس: قال عبد الملك: إن أعاده على الفعل دُون الطلاق نفعه، وأنت طالق إلا أن يبدو لي لا ينفعه الاستثناء إلا أن يريد الفعل خاصة فذلك له. وفي الجلاب (٢٥): إن كلمت زيدا فعلي المشي إلى بيت الله إن شاء الله، لا ينفعه الاستثناء إذا أعاده على النذر، وإن أعاده على الكَلَامِ نفعه (٢٦).
قال شهاب الدين رحمه الله: معنى قول عبد الملك: إن أراد أن ذلك الفعل المعلق عليه لم أجزم بجعله سببا للطلاق، بل فوضت - جعل سببيته إلى مشيئة الله، إن شاء جعله سببا وإلا فلا. وعلى هذا التقدير لا يكون الفعل سببًا فلا يلزم به شيء إجماعًا، وصاحب المقدمات (٢٧) حكاه خلافا، وقال: الحق عدم اللزوم،
---------------
(٢٥) أي في كتاب التفريع، لأبن الجلاب.
(٢٦) قال القرافي هنا رحمه الله: "إعلم أن هذه المواضع لا يدرك حقيقها إلا الفحول من العلماء، أو ممن يفتح الله عليه من نفس فضله وسعة رحمته ما شاء. وما الفرق بين إعادة الارادة القديمة والحادثة على الفعل أو غيره؟ وها أنا اكشف لك عن السر في هذه السائل ببيان قاعدة، وهي أن الله تعالى شرع بعض أسباب الاحكام في أصل الشريعة، ولم يكله إلى مكلف، كالزوال ورؤية الهلال والإِتلاف للضمان، ومنها ما وكله إلى خبرة خلقه، فإن شاءوا جعلوه سببا، وإلا فلا يكون سببا، وهي التعليقات كلها.
ثم قال القرافي: إذا تقررت هذه القاعدة فنقول: قول عبد الملك: إن أعاده على الفعل نفعه، معناه إن اراد ذلك الفعل العلق عليه لم أجزم بجعله سببا للطلاق ... إلى آخر ما ذكره القرافي، وذكره البقورى باختصار.
وقد علق ابن الشاط على هذه الفقرة من أولها عند القرافي، فقال: ما قاله القرافي في ذلك صحيح، والله أعلم.
(٢٧) هو القاضي أبو الوليد محمد بن أحمد بن رشد القرطبي المالكى (الجد) من علماء القرن السادس الهجرئ من جملة تآليفه كتاب شهير في الفقه هو كتاب البيان والتحصيل، وكتابه هذا المشار إليه، وهو المقدمات الممهدات لبيان ما اقتضته رسوم المدونة من الاحكام الشرعيات والتحصيلات المحكمات لأمهات مسائلها الشكلات، وقد طبع هذا الكتاب طبعًا جيدا، وصدر في ثلاثة أجزاء بتحقيق الاستاذ الدكتور محمد حجي، وفقه الله وأعانه على مثل هذا العمل الجليل.
ويوصف ابن رشد هذا بالجد، تمييزًا له عن حفيده الفاضل العالم الجليل الفقيه المتضلع أبي الوليد محمد بن أحمد بن محمد بن رشد القرطبي صاحب التصانيف العديدة والمؤلفات الكثيرة في مختلف فروع المعرفة الاسلامية، وفي مقدمتها كتابه بداية المجتهد ونهاية المقتصد في بيان اسباب الخلاف بين أئمة المذاهب السنية في المسائل الفقهية.

الصفحة 67