كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

المسألة الأولى: (٣٦)
أنشد بعض الفضلاء:
يقول الفقيه أيده الله ... ولا زال عنده إحسان
فتى علق الطلاق بشهر ... قبل ما قبلَ قبلِهَ رمضانُ؟
فنقول - أولا:
---------------
(٣٦) هي المسألة التى أشار إليها الشيخ البقوري، وذكر أن شيخه القرافي أطال فيها، وليس فيها كبير فائدة. أقول: وهو كذلك على ما يبدو لقارئها ومتتبعها في كتاب الفروق، لما فيها من ألغاز وتعقيد، وإكثار من الأمثلة الافتراضية التى قد تكون بعيدة الوقوع، صعبة الفهم والإدراك.
وعلماؤنا الأقدمون رحمهم الله كانوا يتوسعون ويتعمقون في تلك الافتراضات والجزئيات، أحيانا ويصلون إلى تلك الألغاز ويفهمونها ويجدون حيولة وقابلية، ونشاطا ولذة في البحث عنها والوقوف عندها، وإيجاد الحلول والأحكام الشرعية لها. ولذلكم قال الإمام القرافي رحمه الله في أول كلامه عن تلك المسألة وعن ذينكم البيتين الواردين فيها.
إعلم أن هذا البيت من نوادر الأبيات وأشرفها معنى، وأدقها فهما وأغربها استنباطا، لا يدرك معناه إلا العقول السليمة، والأفهام المستقيمة، والفكر الدقيقة من أفراد الاذكياء، وآحاد الفضلاء النبلاء، بسبب أنه بيت واحد. وهو مع صعوبة معناه ودقة مغزاه مشتمل على ثمانية أبيات في الإنشاد، بالتغيير والتقديم والتأخير، بشرط استحمال الألفاظ في حقائقها دون مجازاتها مع التزام صحة الوزن على القانون اللغوي، وكل بيت مشتمل على مسألة من الفقه في التعاليق الشرعية، والألفاظ اللغوية، وتلك المسألة صعبة المغزى، وعرة المرتقى، ومشتمل على سبعمائة مسألة وعشرين مسألة من المسائل الفقهية والتعاليق اللغولة، بشرط التزام المجاز في الألفاظ واطّراح الحقائق، والإِعراض عن ضابط الوزن وقانون الشعر، بأن يطول البيت نحوا من ضعفه، ويحصل هذا العدد العظيم من هذه اللَّفْظات الثلاث، وتبديلها بأضدادها واستعمالها في مجازاتها وتنقلها في التقديم والتأخير مفترقة ومجتمعة على ما سيأتى بيانه إن شاء الله (أي في كلام القرافي عن هذه المسألة في الفرق الثالث بين الشرط اللغوي وغيره. قال القرافي رحمه الله: وهذا البيت لشيخنا الإمام الصدر العالم جمال الفضلاء، رئيس زمانه في العلوم، وسيد وقته في التحصيل والفهوم، حمال الدين الشيخ أبي عمرو بأرض الشام، وأفتى فيه وتفنن، وأبدع فيه ونوّع، رحمه الله وقدس روحه الكربمة .. الخ.
وهذه المسألة، على طولها وما فيها من افتراضات وجزئيات في هذا الفرق عند القرافي، من أطول الفروق عنده ولم يعلق عليها الفقيه المحقق العلامة المدقق قاسم ابن الشاط الانصاري رحمه الله، ولم يعقب عليها بشيء من تعليقاته التى يوردها في كثير من الفروق.
وإنما ذكرت شيئًا مما قاله القرافي في هذه المسألة وفي البيتين السالفين، لما في ذلك من إلقاء مزيد ضوء عليها بالنسبة لما عند البقورى من اختصارها واقتصاره فيها على ما هو اهم وآكد من أمثلتها وجزئياتها، ومما في الاطلاع عليه منها فائدة.

الصفحة 72