كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

وهذا الذي ذكره لا يَلزم عزّ الدين، من حيث إن الإحسان الواقع لإبراهيم هو جملُة ذات أجزاء، والذي لنبينا عليه الصلاة والسلام كذلك جملة ذاتُ أَجْزَاء والجملة ذات الأجزاء يَصِحُّ أن يصْدُق عليها أنها مستقبَلةٌ ما دام جزءٌ واحد منها لم يقعْ، وطالَما بقِي نبيُّنا بل بقيتْ أمّتُه، بقِيت الجملةُ لم تقَعْ.
نعَمْ، وقعَ أَجْزَاءٌ مِنْها، وأما الجملة فما وقعَتْ وانما هي مستقبَلَة، فَانفصَل الإِشكال، والجوابانِ صحيحانِ.
فإن قيل: هذا يتَّجه على رواية في الحديث، وهي التي فها ذِكْر النبي وآله في الصلاة وفي البَرَكة، وذكْرُ إبراهيم وآله في الصلاة والبركة. والطريق الآخر الذي فيه: اللهم صلى على محمد وعلى آل محمد كما صليت على آل إبْراهيم، وكذا أيضًا في البركة، لا يتجهُ هذا الجواب، وهذا أَخرجه مسلم.- قلنا: تُحْمَلُ هذه الرواية على الاخرى، ويكَون الآل واقعا على ذاته وعلى من تبِعه، كما قال: "لقد أُعطيتَ مِزْمارًا من مزامير آل داود، والمرَاد دَاوُد. (٥٩).
المسألة الثانية:
ما قرّرناهُ في لَوْ، يُشْكل أيضًا بِقوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّمَا فِي الْأَرْضِ مِنْ شَجَرَةٍ أَقْلَامٌ وَالْبَحْرُ يَمُدُّهُ مِنْ بَعْدِهِ سَبْعَةُ أَبْحُرٍ مَا نَفِدَتْ كَلِمَاتُ اللَّهِ} (٦٠). حيث إنه يلزم أن تكون كلمات الله تعالى نفدت، وليس كذلك، وهذا من حيث إنه نفْىٌ لقوله تعالى: "ما نَفِدَتْ كلمات الله". ونظيرُ هذه الآية: {نِعْمَ العبْدُ
---------------
(٥٩) الخطاب في هذا الحديث النبوي لأبى موسى رضى الله عنه، حين سمعه النبي صلى الله عليه وسلم يقرأ القرآن ويتلوه بترتيل، وأبو موسى لم يكن يعلم بذلك، فقال مخاطِبًا الرسوَل عليه الصلاة والسلآم: "لو كُنْتُ أعلمُ انك تسمع قرآتى لحبرته لك تحْبيرًا)، أى لجوَّدته ورتلته لك ترتيلا وتجويدًا أكثر. وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يحب إن يسمع القرآن من غيره وهو يتلوه تلاوة جيدا، كما قال لعبد الله بن مسعود حين أمره بقرآة ما تيسرّ منه: "إني أحبُّ أن أسمعه من غيرى، عملا بقول الله تعالى: {وَإِذَا قُرِئَ الْقُرْآنُ فَاسْتَمِعُوا لَهُ وَأَنْصِتُوا لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ}
(٦٠) سورة لقمان - الآية ٢٧.

الصفحة 82