كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

صُهَيْبٌ، لو لم يخف الله لم يَعْصِهِ"، يقتضى أنه خاف وعصَى مع هذا الخوف، وهذا قُبْح، فيكونُ ذَمًّا، لكن الحديث سِيقَ للمدح، فنَعَم للمدْح التام، والفضلاء يتولعون بالحديث كثيرا، والآية قَلَّ من يتفطَّنُ لهَا. (٦١)
وأجاب الناس عن الحديث بأجولة:
أحدها لابن عصفور، أنَّ لَوْ في الحديث بِمعنَى إنْ لمطلَق الربط، وإنْ، لا يكون نفيُها ثبوتا ولا ثبوتها نفيًا.
الثاني لشمس الدين الخسر وشاهى، لوْ في أصل اللغة لمطلق الربْط.
الثالث لعز الدين بن عبد السلام، قال:
المسبَّبُ قد يكون له سببٌ واحدٌ ينتةِى لانتفاء سببه، وقد يكون له سببانِ، فَلَا ينتفِي لانتفَاء أحَدِ السببين. وإذا كان الامر هكذا ولابد، فلِعدم المعصية سببانِ: الخوفُ، وهذا لِلْكثير من الناس، والْإجْلالُ، وهذا لخاصة الناس وفُضلاِنهم ...
فأثبت النبي - صلى الله عليه وسلم - صُهَيْبًا في هذا الْحَظِ (٦٢). فهو يقول: نعْمَ العبد صهيبٌ، لوْ لم يخَف الله ما حَمَله عَدَمُ خوفه على العِصيان، كما هو في الكثير، بل هو لا يعصيه مع عدَم الخوف، للاجلال الذي غلَبَ عليه.
الرابع: الجواب محذوف، تقديره: لو لم يخف الله عصَمَهُ اللهُ، ودَلَّ على ذلك قولُه: لَمْ يَعْصِهِ.
وهذه الأجولة تتأتى في الآية، غَيْرَ الثالِثِ.
ولشهاب الدين، رحمه الله - جواب خامس، وهو يصلح للحديث وللآية، قال: لَوْ أصلُهَا أن تكون للربط بين شيئين؛ تقدم. ثم إنها - أيضًا -
---------------
(٦١) علق الفقيه ابن الشاط على هذه المسألة عند القرافي إلى قوله في: والآية قل من يتفطن لها فقال: ما قاله القرافي في ذلك ليس بصحيح، لأن لَوْ انما هي في اللغة لمجرد الربط خاصة، وما توَهم هو وكوفي إنما هو من قبيل مفهوم الشّرْط، فإن قيل به صحّ ذلك وإلَّا فَلا ...
(٦٢) في النسخة الحسنية: في هذا النمط، في نسخة أخرى ثالثة: في هذا القِسْم، وهي أظهر، وإن كان ما في النسختين ظاهرًا، وله وجه في المعنى المقصود.

الصفحة 83