كتاب ترتيب الفروق واختصارها (اسم الجزء: 1)

تُستعمل لقطع الربط، فيكون جوابا لسؤال، محقَّقِ أو متوهَّم، وقع فيه ربط، فَتَقْطغه أنت لاعتقادك بُطلان ذلك الربطِ، كما لو قَال القائل: لو لم يكن زيدٌ زوجًا، لم يَرث، فتقول له أنْت: لو لم يكن زوجًا لم يُحْرَمْ، تُريد أنّ ما ذكرَتَه مِن الربط بين عدم الزوجية وعدم الارث، ليس بِحَقٍ، فمقصودك قطع ربط كلامِهِ، وتقول: لو لم يكن زيدٌ عالمًا لَأكْرِم، أي لشجاعته، جوابا لسؤالِ سائلٍ تتوهمهُ أو سمِعتَه، وهو يقول: إنه إذا لم يكن عالمًا لم يُكْرَم، فَيَرْبط بين عدم العِلم، وعدمِ الاكرام، فتقطع انت ذلك الربْطَ (٦٣).
قلت: هذا جواب عز الدين - رحمه الله - بعينِهِ، وهو الذي قال فيهِ قبل هذا: إنه لا يُتصور أن يكون جوابا عن الآية، فمراد عز الدين ليس متوقفا على السَّبِبِيَّةِ، وانما أجاب بعدم الربط، وكان في الحديث عدم الربط، وأبْدَى علة عدم الربط، فذكر السببيْن كمَا الأمرُ هنا في مثال الموارثة (٦٤) وفي مثال الإِكرام،
---------------
(٦٣) علق الشيخ ابن الشاط على هذه الأجوبة المذكورة هنا وعند القرافي رحمه الله، فقال:
جواب أي الحسن بن عصفور يقتضى أنها مجاز في الحديث، والمجاز خلاف الأصل فلا يُدَّعَى إلَّا عند الضرورة.
وأما جواب شمس الدين بأنَّ لوْ في أصل اللغة لمطلق الربط، وإنما اشتهرت في العرف في انقلاب ثبوتها نفيا وبالعكس، والحديث إنما ورد بمعنى اللفظ في اللغة، فهو الصحيح، غير قوله: "وإنما اشتهرت في العُرف"، فإن ذلك العرف الذي ادعاه لم يثبتْ عن اللغة ولا عن الشرع، فهو عرف لغير أهل اللغة ولغير أهل الشرع، ولا حجَة في عرف غيرهما ولا اعتبار به في مثل هذا.
وأما جواب عز الدين فغايته أن أبْدى وجها لمطلق الربط، وارتفاع توهُّم ذلك المفهوم.
وأمّا جوابه هو (أى القرافي) فمُحْوج إلى تكلُّفِ سبْق كلام يكون هذا جوابًا له، وتقدير ذلك، وكل ذلك لا يصح في الآية، أمَّا سبْقُ كلام يكون هذا جوايا له فلم يكن في الأزل من يكون كلام الله تعالى جوإبا له، ولا يصح أن يكون كلام الله على تقْدير سبْق كلام، فإن هذا التقدير إنما معناه احتمال سبْق كلام الله، والله تعالى منزَّه عن مثل هذا الاحتمال، إذ تقرر أنه العالم بما كان ومما يكون وبما لم يكن ولا يكون.
ولذلك لما قال القرافي عن جوابه: إنه أصلح من الأجوبة المتقدمة من وجهين: عقب عليه ابن الشاط بأنه ليس بأصلح، لما فيه من دعوى سبق كلام يكون هذا جوابا له أو تقدير سبق كلام، والأصل عدم ذلك.
(٦٤) في نسخة ح، ونسخة أُخرى: الوِراثة، وكلاهما مصدر قياسي للفعل الرباعي: وارث. لقول ابن مالك في الفيته النحوية.
لفَاعَل الفِعَالُ والمفاعَلةَ ... وغيْرُ ما مرَّ السماعُ عادَ لَه

الصفحة 84