كتاب فصل المقال في شرح كتاب الأمثال
هذا هو ما عده ابن خير، ولكن إشارات البكري في " فصل المقال " تدل على أنه طلع على كتب أخرى في الأمثال مما ألف قبل كتاب ابن سلام وبعده، إلا أنه ليس من السهل أن نقطع بأن البكري ينقل عن تلك الكتب، حين نجده يشير مثلاً إلى ابن السكيت والمفضل بن سلمة وغيرهما.
3 - كتاب أبي عبيد ابن سلام في الأندلس:
جاء في مخطوطة فيض الله (رقم: 1578) ؟ وهي التي رمزنا لها بالحرف (ف) " قال عليّ بن عبد العزيز كاتب أبي عبيد القاسم بن سلام: كتبت هذا الكتاب من نسخة أبي عبيد رحمه الله بخط يده، وعارضت بها حرفاً حرفاً، ثم قرأناه على أبي محمد بن عاصم النحوي (- 270) صاحب الفراء، فزادنا فيه أشياء ألحقتها في حواشي الكتاب؛ ثم قرأته على الزبير بن بكار (- 256) وهو قاضي أهل مكة فكتبت أيضاً ما زادنا فيه ونسبت ذلك إليه "؛ وبعد نصف قرن وقعت هذه النسخة في يد أبي بكر ابن الأنباري (- 327) فأضاف إليها تعليقات أخرى بخطه؛ هذه النسخة القيمة وصلت إلى الأندلس، وهناك مواضع عديدة في كتاب البكري تدل على أنه اطلع عليها وأفاد منها تعقبه لأبي عبيد ابن سلام (1) ؛ وقد أشرنا إلى ذلك في عدد من المواضع في الحواشي.
ويقول البكري في أول شرحه: " حدثنا أبو مروان ابن حيان قال: أخبرنا أبو عمر أحمد بن أبي الحباب، قال: أنبأنا أبو علي إسماعيل بن القاسم البغدادي قال: أنبأنا إبراهيم بن محمد بن عرفة الأزدي قال: أنبأنا علي بن عبد العزيز وثابت ابن أبي ثابت قالا: أنبأنا أبو عبيد القاسم ابن سلام.
فلأبي عبيد القاسم بن سلام في نقل كتاب الأمثال تلميذان أهمهما علي بن عبد العزيز؛ وعن الاثنين معاً أخذ إبراهيم بن محمد بن عرفة الشهير بنفطويه
__________
(1) انظر الورقة 5 من النسخة ص حيث يقول البكري: " رأينا في الحاشية على كتاب الأمثال بخط المهلبي ... الخ ".
وهي الكلام الذي يفهم عنك منه خلاف ما تضمره لاحتماله معنيين، وهذا هو اللحن عند العرب، تقول: لحنت له لحناً، إذا قلت له قولاً يفهمه عنك ويخفى على غيره، وقد لحنه إذا فهمه، وهو الذي أراد مالك بن أسماء بن خارجة بقوله (1) :
وحديثٍ ألذه هو مما ... تشتهيه النفوس يوزن وزنا
منطق صائب وتلحن أحيا ... ناً، وخير الحديث ما كان لحنا أي تعرض به في حديثها وتزويه (2) عن جهته لئلا يفهمه الحاضرون.
ومن المعارض ما روي عن النبي صلى الله عليه وسلم (3) أنه حين هاجر إلى المدينة مخفياً لشأنه عن قريش نزل منزلاً، فمر به قوم يؤمون مكة ومعه أبو بكر، فقال لهما القوم: من أين أنتما؟ قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: نحن من ماء من المياه، فقال القوم: هما من بعض مياه العرب. وإنما أراد النبي عليه السلام قول الله تعالى: {فلينظر الإنسان مم خلق، خلق من ماءٍ دافق} (الطارق: 5) فلحن لهم بذلك ليخفى أمره، وصدق كما قال عليه السلام: إني لأمزح ولا أقول إلا حقاً. وقال لامرأة من العرب (4) : " إن الجنة لا تدخلها العجز " ففزعت وبكت، أراد النبي عليه السلام قوله تعالى: {إنا أنشأناهن إنشاءً، فجعلناهن أبكاراً، عرباً أتراباً} (الواقعة: 36) ، وأهل الجنة أجمعون/ شبان لا يهرمون (5) .
__________
(1) انظر ترجمة مالك بن أسماء في الشعر والشعراء: 492، وقد ورد البيتان أيضاً في أمالي القالي 1: 5 والسمط: 15، وفيه استطراد بذكر قصص متصلة بالملحن والتعريض. وهما في أمالي المرتضى 1: 14، والبيان 1: 147 ووهم الجاحظ في معنى اللحن هنا، فظنه الخطأ في الإعراب.
(2) س: فتزيله.
(3) كرره البكري أيضاً في شرحه على الأمالي (انظر السمط: 240) وقد ورد هذا الخبر في سيرة ابن هشام 2: 268ط. الحلبي، وبهامش الروض الأنف 2: 56.
(4) ط س: من الأنصار.
(5) ص ح: لا ينزفون، ومعناه لا يسكرون، واصله من ذهاب العقل.
الصفحة 4
622