كتاب أصول السرخسي (اسم الجزء: 1)
أَعْلَام الدّين وقدوة الْمُتَأَخِّرين فَقَالَ {فلولا نفر من كل فرقة مِنْهُم طَائِفَة ليتفقهوا فِي الدّين ولينذروا قَومهمْ إِذا رجعُوا إِلَيْهِم لَعَلَّهُم يحذرون} وَفِي حَدِيث أبي هُرَيْرَة رَضِي الله عَنهُ عَن النَّبِي صلى الله عَلَيْهِ وَسلم مَا عبد الله بِشَيْء أفضل من الْفِقْه فِي الدّين ولفقيه وَاحِد أَشد على الشَّيْطَان من ألف عَابِد وَقَالَ صلى الله عَلَيْهِ وَسلم قَلِيل من الْفِقْه خير من كثير من الْعَمَل
غير أَن تَمام الْفِقْه لَا يكون إِلَّا باجتماع ثَلَاثَة أَشْيَاء الْعلم بالمشروبات والإتقان فِي معرفَة ذَلِك بِالْوُقُوفِ على النُّصُوص بمعانيها وَضبط الْأُصُول بفروعها ثمَّ الْعَمَل بذلك
فتمام الْمَقْصُود لَا يكون إِلَّا بعد الْعَمَل بِالْعلمِ وَمن كَانَ حَافِظًا للمشروبات من غير إتقان فِي الْمعرفَة فَهُوَ من جملَة الروَاة وَبعد الإتقان إِذا لم يكن عَاملا بِمَا يعلم فَهُوَ فَقِيه من وَجه دون وَجه فَأَما إِذا كَانَ عَاملا بِمَا يعلم فَهُوَ الْفَقِيه الْمُطلق الَّذِي أَرَادَهُ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم وَقَالَ هُوَ أَشد على الشَّيْطَان من ألف عَابِد وَهُوَ صفة المقدمين من أَئِمَّتنَا أبي حنيفَة وَأبي يُوسُف وَمُحَمّد رَضِي الله عَنْهُم وَلَا يخفى ذَلِك على من يتَأَمَّل فِي أَقْوَالهم وأحوالهم عَن إنصاف
فَذَلِك الَّذِي دَعَاني إِلَى إملاء شرح فِي الْكتب الَّتِي صنفها مُحَمَّد بن الْحسن رَحمَه الله بآكد إِشَارَة وأسهل عبارَة
وَلما انْتهى الْمَقْصُود من ذَلِك رَأَيْت من الصَّوَاب أَن أبين للمقتسبين أصُول مَا بنيت عَلَيْهَا شرح الْكتب ليَكُون الْوُقُوف على الْأُصُول معينا لَهُم على فهم مَا هُوَ الْحَقِيقَة فِي الْفُرُوع ومرشدا لَهُم إِلَى مَا وَقع الْإِخْلَال بِهِ فِي بَيَان الْفُرُوع
فالأصول مَعْدُودَة والحوادث ممدودة والمجموعات فِي هَذَا الْبَاب كَثِيرَة للْمُتَقَدِّمين والمتأخرين وَإِنَّا فِيمَا قصدته بهم من المقتدين رَجَاء أَن أكون من الْأَشْبَاه فَخير الْأُمُور الِاتِّبَاع وشرها الابتداع
الصفحة 10
416