كتاب أصول السرخسي (اسم الجزء: 1)
الْحجَّة بترك الْإِسْنَاد مَعَ علمهمْ أَن الْحجَّة لَا تقوم بِدُونِهِ فَتعين الثَّالِث وَهُوَ أَنهم اعتقدوا أَن الْمُرْسل حجَّة كالمسند وَكفى باتفاقهم حجَّة
وَقَالَ الشَّافِعِي فِي بعض كتبه إِنَّمَا أرْسلُوا ليطلب ذَلِك فِي الْمسند وَهَذَا كَلَام فَاسد لِأَنَّهُ إِمَّا أَن يُقَال لم يكن عِنْدهم إِسْنَاد ذَلِك أَو كَانَ وَلم يذكرُوا وَالْأول بَاطِل لِأَن فِيهِ قولا بِأَنَّهُم تخرصوا مَا لم يسمعوا ليطلب ذَلِك فِي المسموعات وَلَا يجوز ذَلِك لمن هُوَ دونهم فَكيف بهم وَالثَّانِي بَاطِل لِأَنَّهُ إِذا كَانَ عِنْدهم الْإِسْنَاد وَقد علمُوا أَن الْحجَّة لَا تقوم بِدُونِهِ فَلَيْسَ فِي تَركه إِلَّا الْقَصْد إِلَى إتعاب النَّفس بِالطَّلَبِ
وَلَو قَالَ من أنكر الِاحْتِجَاج بِخَبَر الْوَاحِد إِنَّهُم إِنَّمَا رووا ذَلِك ليطلب ذَلِك فِي الْمُتَوَاتر لَا يكون هَذَا الْكَلَام مَقْبُولًا مِنْهُ بالِاتِّفَاقِ فَكَذَلِك هَذَا يقرره أَن الْمُفْتِي إِذا قَالَ للمستفتي قضى رَسُول الله فِي هَذِه الْحَادِثَة بِكَذَا كَانَ عَلَيْهِ أَن يعْمل بِهِ وَإِن لم يذكر لَهُ إِسْنَادًا فَكَذَلِك إِذا قَالَ قَالَ رَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم كَذَا
وَلَو قَالَ روى فلَان عَن فلَان قبل ذَلِك مِنْهُ وَإِن لم يقل حَدثنِي وَلَا سمعته مِنْهُ وَهَذَا فِي معنى الْإِرْسَال
فَإِن قَالَ إِنَّمَا نجيزه على هَذَا الْوَجْه عَمَّن لَقِي فَيحمل مُطلق كَلَامه على المسموع مِنْهُ
قُلْنَا لما جَازَ حمل كَلَامه على هَذَا وَإِن لم ينص عَلَيْهِ لتحسين الظَّن بِهِ فَكَذَلِك يجوز حمل كَلَامه عِنْد الْإِرْسَال على السماع مِمَّن هُوَ عدل بِاعْتِبَار الظَّاهِر لتحسين الظَّن بِهِ وَهَذَا لِأَنَّهُ لَا طَرِيق لنا إِلَى معرفَة الشَّرَائِط للرواية فِيمَن لم يُدْرِكهُ إِلَّا بِالسَّمَاعِ مِمَّن أدْركهُ وَإِذا كَانَ من أدْركهُ عدلا ثِقَة فَإِنَّهُ لَا يروي عَنهُ مُطلقًا مَا لم يعرف استجماع الشَّرَائِط فِيهِ فبروايته عَنهُ يثبت لنا استجماع الشَّرَائِط أَلا ترى أَنه لَو أسْند الرِّوَايَة إِلَيْهِ يثبت استجماع الشَّرَائِط فِيهِ بروايته عَنهُ فَكَذَلِك إِذا أرْسلهُ بل أولى لِأَنَّهُ إِذا أسْند إِلَيْهِ فَإِنَّمَا شهد عَلَيْهِ بِأَنَّهُ روى ذَلِك فَإِذا أرسل فَإِنَّمَا يشْهد على رَسُول الله أَنه قَالَ ذَلِك وَمن علم أَنه لَا يستجيز الشَّهَادَة على غير رَسُول الله بِالْبَاطِلِ فَكيف يظنّ أَن يستجيز الشَّهَادَة على رَسُول الله بِالْبَاطِلِ مَعَ قَوْله عَلَيْهِ السَّلَام من كذب عَليّ مُتَعَمدا فَليَتَبَوَّأ مَقْعَده من النَّار يُوضحهُ أَن القَاضِي إِذا كتب سجلا فِيهِ قَضَاؤُهُ فِي حَادِثَة وَأشْهد على ذَلِك كَانَ ذَلِك حجَّة وَإِن لم يبين اسْم الشُّهُود فِي المسجل وَمَا كَانَ ذَلِك إِلَّا بِهَذَا الطَّرِيق وَهَذَا بِخِلَاف الشُّهُود على شَهَادَة الْغَيْر لِأَن الْعلمَاء
الصفحة 362
416