كتاب أصول السرخسي (اسم الجزء: 1)
تنصيص على أَن كل حَدِيث هُوَ مُخَالف لكتاب الله تَعَالَى فَهُوَ مَرْدُود
وَقَالَ عَلَيْهِ السَّلَام تكْثر الْأَحَادِيث لكم بعدِي فَإِذا رُوِيَ لكم عني حَدِيث فاعرضوه على كتاب الله تَعَالَى فَمَا وَافقه فاقبلوه وَاعْلَمُوا أَنه مني وَمَا خَالفه فَردُّوهُ وَاعْلَمُوا أَنِّي مِنْهُ بَرِيء وَلِأَن الْكتاب مُتَيَقن بِهِ وَفِي اتِّصَال الْخَبَر الْوَاحِد برَسُول الله صلى الله عَلَيْهِ وَسلم شُبْهَة فَعِنْدَ تعذر الْأَخْذ بهما لَا بُد من أَن يُؤْخَذ بالمتيقن وَيتْرك مَا فِيهِ شُبْهَة وَالْعَام وَالْخَاص فِي هَذَا سَوَاء لما بَينا أَن الْعَام مُوجب للْحكم فِيمَا يتَنَاوَلهُ قطعا كالخاص وَكَذَلِكَ النَّص وَالظَّاهِر سَوَاء لِأَن الْمَتْن من الْكتاب مُتَيَقن بِهِ وَمتْن الحَدِيث لَا يَنْفَكّ عَن شُبْهَة لاحْتِمَال النَّقْل بِالْمَعْنَى ثمَّ قوام الْمَعْنى بِالْمَتْنِ فَإِنَّمَا يشْتَغل بالترجيح من حَيْثُ الْمَتْن أَولا إِلَى أَن يَجِيء إِلَى الْمَعْنى وَلَا شكّ أَن الْكتاب يتَرَجَّح بِاعْتِبَار النَّقْل الْمُتَوَاتر فِي الْمَتْن على خبر الْوَاحِد فَكَانَت مُخَالفَة الْخَبَر للْكتاب دَلِيلا ظَاهرا على الزيافة فِيهِ وَلِهَذَا لم يقبل عُلَمَاؤُنَا خبر الْوضُوء من مس الذّكر لِأَنَّهُ مُخَالف للْكتاب فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {فِيهِ رجال يحبونَ أَن يَتَطَهَّرُوا} يَعْنِي الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ فقد مدحهم بذلك وسمى فعلهم تطهرا وَمَعْلُوم أَن الِاسْتِنْجَاء بِالْمَاءِ لَا يكون إِلَّا بِمَسّ الذّكر فَالْحَدِيث الَّذِي يَجْعَل مَسّه حَدثا بِمَنْزِلَة الْبَوْل يكون مُخَالفا لما فِي الْكتاب لِأَن الْفِعْل الَّذِي هُوَ حدث لَا يكون تطهرا
وَكَذَلِكَ لم يقبل حَدِيث فَاطِمَة بنت قيس فِي أَن لَا نَفَقَة للمبتوتة لِأَنَّهُ مُخَالف للْكتاب وَهُوَ قَوْله تَعَالَى {أسكنوهن من حَيْثُ سكنتم من وجدكم} وَلَا خلاف أَن المُرَاد وأنفقوا عَلَيْهِنَّ من وجدكم فَالْمُرَاد الْحَائِل فَإِنَّهُ عطف عَلَيْهِ قَوْله تَعَالَى {وَإِن كن أولات حمل فأنفقوا عَلَيْهِنَّ حَتَّى يَضعن حَملهنَّ} وَكَذَلِكَ لم يقبل خبر الْقَضَاء بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين لِأَنَّهُ مُخَالف للْكتاب من أوجه فَإِن الله تَعَالَى قَالَ {واستشهدوا شهيدين من رجالكم} الْآيَة وَقَوله واستشهدوا أَمر بِفعل هُوَ مُجمل فِيمَا يرجع إِلَى عدد الشُّهُود كَقَوْل الْقَائِل كل يكون مُجملا فِيمَا يرجع إِلَى بَيَان الْمَأْكُول فَيكون مَا بعده تَفْسِيرا لذَلِك الْمُجْمل وبيانا لجَمِيع مَا هُوَ المُرَاد بِالْأَمر وَهُوَ استشهاد رجلَيْنِ فَكَذَا أَو أَذِنت لَك أَن تعامل فلَانا فَإِن لم يكن ففلانا يكون ذَلِك بَيَانا لجَمِيع مَا هُوَ المُرَاد بِالْأَمر وَالْإِذْن وَإِذا ثَبت أَن جَمِيع مَا هُوَ الْمَذْكُور فِي الْآيَة كَانَ خبر الْقَضَاء بِالشَّاهِدِ وَالْيَمِين زَائِدا عَلَيْهِ وَالزِّيَادَة على النَّص كالنسخ عندنَا يقرره قَوْله تَعَالَى {وَأدنى أَلا ترتابوا} فقد فَإِن لم يَكُونَا فَرجل وَامْرَأَتَانِ كَقَوْل الْقَائِل كل طَعَام كَذَا
الصفحة 365
416