كتاب أصول السرخسي (اسم الجزء: 1)
سَوَاء فِي معنى التحدث بِمَا فِي الْكتاب أَلا ترى أَن فِي الشَّهَادَات لَا فرق بَين أَن يقْرَأ من عَلَيْهِ الْحق ذكر إِقْرَاره عَلَيْك وَبَين أَن تَقْرَأهُ عَلَيْهِ ثمَّ تستفهمه هَل تقر بِجَمِيعِ مَا قرأته عَلَيْك فَيَقُول نعم وَبِكُل وَاحِد من الطَّرِيقَيْنِ يجوز أَدَاء الشَّهَادَة وَبَاب الشَّهَادَة أضيق من بَاب رِوَايَة الْخَبَر فَكَانَ الْمَعْنى فِيهِ أَن نعم جَوَاب مُخْتَصر وَلَا فرق فِي الْجَواب بَين الْمُخْتَصر والمشبع فَيصير مَا تقدم كالمعاد فِي الْجَواب كُله ثمَّ للطَّالِب من الرِّعَايَة عِنْد الْقِرَاءَة عَادَة مَا لَيْسَ للمحدث فَعِنْدَ قِرَاءَة الْمُحدث لَا يُؤمن من الْخَطَأ فِي بعض مَا يقْرَأ لقلَّة رعايته ويؤمن ذَلِك إِذا قَرَأَ الطَّالِب لشدَّة رعايته
فَإِن قيل عِنْد قِرَاءَة الطَّالِب يتَوَهَّم أَن يسهو الْمُحدث عَن بعض مَا يسمع وينتفي هَذَا التَّوَهُّم إِذا قَرَأَهُ الْمُحدث لشدَّة رِعَايَة الطَّالِب فِي ضبط مَا يسمع مِنْهُ
قُلْنَا هُوَ كَذَلِك وَلَكِن السَّهْو عَن سَماع الْبَعْض مِمَّا لَا يُمكن التَّحَرُّز عَنهُ عَادَة وَهُوَ أيسر مِمَّا يَقع بِسَبَب الْخَطَأ فِي الْقِرَاءَة فمراعاة ذَلِك الْجَانِب أولى
والوجهان الْآخرَانِ الْكِتَابَة والرسالة فَإِن الْمُحدث إِذا كتب إِلَى غَيره على رسم الْكتب وَذكر فِي كِتَابه حَدثنِي فلَان عَن فلَان إِلَى آخِره ثمَّ قَالَ وَإِذا جَاءَك كتابي هَذَا وفهمت مَا فِيهِ فَحدث بِهِ عني فَهَذَا صَحِيح
وَكَذَلِكَ لَو أرسل إِلَيْهِ رَسُولا فَبَلغهُ على هَذِه الصّفة فَإِن رَسُول الله عَلَيْهِ السَّلَام كَانَ مَأْمُورا بتبليغ الرسَالَة وَبلغ إِلَى قوم مشافهة وَإِلَى آخَرين بِالْكتاب وَالرَّسُول وَكَانَ ذَلِك تبليغا تَاما
وَكَذَلِكَ فِي زَمَاننَا يثبت من الْخُلَفَاء تَقْلِيد السلطنة وَالْقَضَاء بِالْكتاب وَالرَّسُول بِهَذَا الطَّرِيق كَمَا يثبت بالمشافهة إِلَّا أَن الْمُخْتَار فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين للراوي أَن يَقُول حَدثنِي فلَان وَفِي الْوَجْهَيْنِ الآخرين أَن يَقُول أَخْبرنِي لِأَن فِي الْوَجْهَيْنِ الْأَوَّلين شافهه الْمُحدث بالإسماع فَيكون مُحدثا لَهُ وَفِي الْوَجْهَيْنِ الآخرين لم يشافهه وَلكنه مخبر لَهُ بكتابه فَإِن الْكتاب مِمَّن بعد كالخطاب مِمَّن حضر وَالرَّسُول كالكتاب أَو أقوى لِأَن معنى الضَّبْط يُوجد فيهمَا ثمَّ الرَّسُول نَاطِق وَالْكتاب غير نَاطِق
وعَلى هَذَا ذكر فِي الزِّيَادَات إِذا حلف أَن لَا يتحدث بسر فلَان أَو لَا يتَكَلَّم
الصفحة 376
416