كتاب معجم متن اللغة (اسم الجزء: 1)

أبا امرئ القيس هل سمعت به ... هيهات هيهات طال ذا عمرا
يقول في هذا الشعر: إن عقله ومولده أدركا زمن حجر، , أبي امرئ القيس، وهو حجر بن عمرو الكندي. ومعنى إدراكه هذا أنه ولد في أيامه وعقل فيها. ولا ريب أن ابنه امرأ القيس الذي طرده أبوه قبل موته حين أنكر سيرته، قد عقل أباه أيضًا، فهو إذًا مماثل للربيع في هذا على أقل تقدير، إن لم يكن إمرؤ القيس أكبر منه سنًا. وقد ولد امرؤ القيس في سنة 500 للمسيح. فيكون مولد الربيع في مفتتح القرن السادس بعد المسيح، ويكون عمره وقت جوابه لعبد الملك نحو مائة وثمانين سنة أي أيام الجاهلية كلها، وهي مائة وعشرون، وستين سنة في الإسلام.
متانة اللغة أول عصر التدوين:
إنك إذا نظرت اللغة العربية في أخريات الجاهلية وأوائل الإسلام، رأيت لغة جرت على سنن واضح في اشتقاقها، وعلى طراز أنيق من روائها وبهجتها، وعلى نمط فاخر من طلاوتها، وعلى بيان عذب في تركيبها وأسلوبها. وسعت صدرها للاشتقاق فكان له في صلبها قوام متين، وفسحت سوحها للمجاز فحفلت باستعارته البديعة وبمرسله المستملح، وكان لها في ذلك الميزة الظاهرة على غيرها من اللغات، وحتى وسعت بعد ذلك ما وعاه تمدنها من العلوم يوم ملكت أقطار الأرض، وحازت علوم الأولين.
انظر تر لغة تؤثر الخفة في لفظها تسهيلًا للنطق مع وفرة بيان. فهي تقلب الحرف إا ثقل مكانه إلى ما هو أخف منه على النطق "كميزان وميعاد" وما جاء على بابهما. وتأبى الجمع بين الساكنين فتنقص حرفًا أو تغير حركة لتتخلص منه.
تجد لغة كلماتها قليلة الحروف، يغلب عليها الثلاثي من الأبنية الأصلية، بل يكاد هذا يبلغ ثلاثة أرباع المستعمل من كلماتها (¬1).
تجد لغة إذا دخلتها كلمة أجنبية عنها قلق موضعها، حتى تأخذ وزن كلمات اللغة وهيئة حركاتها لتشاكلها وتماثلها وتأتلف معها. لذلك تراهم يشذبون الكلمات الأعجمية الطارئة التي لم تأت على أوزان العرب بالحذف والإبدال، حتى تلائم الأسلوب العربي الموجز الخفيف. فإذا عربوا الأعجمي ورأوه ثقيلًا بعض الشيء منعوه من التنوين، حتى لا تزيد حروفه حرفًا على المنطق.
تجدهم في بيانهم يجمعون المعنى الكثير تحت اللفظ القليل. فكم تحت قولهم "قيمة كل امرئ
¬__________
(¬1) جعل أبو بكر محمد بن الحسن الزبيدي، في كتابه "مختصر العين" على ما جاء في المزهر، الكلمات العربية المستعملة 5620 كلمة. الثنائي منها 489 (أي 87 بالألف) والثلاثي 4269 (أي 760 بالألف) والرباعي 820 (أي 146 بالألف) والخماسي 42 (أي 0.7 بالألف) وهذا كله في المجرد.

الصفحة 46