كتاب معجم متن اللغة (اسم الجزء: 1)

ما يحسن" من المعاني، وكم تحت قولهم "الحلم عشيرة" وقولهم "ما عال من اقتصد" وكثير أمثال هذا من بدائع المعاني الكثيرة التي يدل عليها هذا اللفظ القليل دلالة وافية بالمرام! وفي القرآن الكريم آيات بينات، تشرق في سماء البيان، فيبهر نورها الأبصار.
قال ابن فارس رحمه الله: "وللعرب بعد كلم تلوح في أثناء كلامهم كالمصابيح في الدجى، كقولهم للجموع للخير: قثوم. وهذا أمر قاتم الأعماق أسود النواحي، واقتحف الشراب، وامرأة حيية، وكثرة ذات اليد، ويد الدهر، وتخاوصت النجوم، ومجت الشمس ريقها، ودرأ الفيء، ومفاصل القول، وأتى بالأمر من فصه، وهو رحب العطن، غمر الرداء، وهو ضيق المجم قلق الوضين، رابط الجأش، وهو ألوى بعيد المستقر، وهو جزيلها المحكك وعديقها المرجب ... وما أشبه هذا من بارع كلامهم".
وقال ابن قتيبة: "كان العربي إذا ارتجل كلامًا، في نكاح أو حمالة أو تخصيص أو صلح أو ما أشبه ذلك، لم يأت به من واد واحد، بل يتفنن، فيختصر تارة إرادة التخفيف، ويطيل تارة إرادة الإفهام، ويكرر تارة إرادة التوكيد، ويخفي بعض معانيه حتى يغمض على أكثر السامعين، ويكشف حتى يفقهه بعض الأعجمين، ويشير إلى الشيء ويكني عن الشيء، وتكون عنايته بالكلام على حسب الحال وقدر الحفل، وكثرة الحشد وجلالة المقام. ثم لا يأتي بالكلام مهذبًا كل التهذيب ومصفى كل التصفية، بل تجده يمزج ويشوب، ليدل بالناقص على الوافر وبالغث على السمين. ولو جعله كله بحرًا واحدًا، لبخسه بهاه، وسلبه ماءه. ومثل ذلك الشهاب مع القبس يبرزه للشعاع. والكوكبان يقترنان فينقص النوران، والسخاب ينظم بالياقوت والمرجان والعقيق والعقيان، ولا يجعله كله جنسًا واحدًا من الرفيع السمين ولا النفيس المصون."
أثر اختلاف اللغات في الفصحى:
إن اختلاف الزمان والمكان وانتشار أماكن القبائل في أطراف الجزيرة، قد أبقى في كل لهجة شيئًا من تراثها القديم. فكانت لغة حمير ذات مفردات لم تبدل كلها، ولكنها مزجت بالعدنانية. وكان لبعض اللغات ميزات خاصة من حيث التصريف والهيئة والإبدال وأوجه الإعراب والبناء. فترى بين اللغات اختلافًا في حركة نون المضارعة، قريش تفتحها وأسد تكسرها. وفي الحركة والسكون كالعين في معكم، فهي تحرك عند الجمهور وتسكن عند ربيعة وغنم. وفي الإبدال كأولئك وأولالك، ولأنك ولهنك، وبكر ومكر، وما اسمك وبا اسمك. والميم والباء يتعاقبان في لغة مازن. واختلافًا في التقديم والتأخير كصاعقة وصاقعة، وجبذ وجذب، وفي الإعراب كإعمال ما النافية عند الحجازيين وإهمالها عند تميم. وكنصب خبر ليس مطلقًا في الحجاز ورفعه إذا اقترن بألا، حملا على ما التميمية. وكإعراب المثنى والأسماء الخمسة بالحروف أو

الصفحة 47