كتاب فنون العجائب لأبي سعيد النقاش - ت: مشهور

ذِكْرُ رُؤْيَا كِسْرَى ، وَعِبَارَةِ سَطِيحٍ مِنْ قَيْلَةِ الْعَجِيبِ
[69] أَخْبَرَنَا أَبُو الْحَسَنِ مُحَمَّدُ بْنُ مَحْمُودِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ الْفَقِيهُ الْمَرْوَزِيُّ ، بِهَا ، حَدَّثَنَا أَبُو بَكْرٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سُلَيْمَانَ بْنِ الْأَشْعَثِ ، حَدَّثَنَا عَلِيُّ بْنُ حَرْبٍ ، حَدَّثَنَا يَعْلَى بْنُ النُّعْمَانِ الْبَجَلِيُّ ، حَدَّثَنَا مَخْزُومُ بْنُ هَانِئٍ الْمَخْزُومِيُّ ، عَنْ أَبِيهِ ، وَكَانَتْ لَهُ عِشْرُونَ وَمِئَةُ سَنَةٍ قَالَ : " لَمَّا وُلِدَ رَسُولُ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ارْتَجَسَ إِيوَانُ كِسْرَى ، وَسَقَطَتْ مِنْهُ أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً ، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ ، وَلَمْ تَخْمَدْ قَبْلَ ذَلِكَ بِأَلْفِ سَنَةٍ ، وَرَأَى الْمُوبَذَانُ كَأَنَّ إِبِلًا صِعَابًا ، تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا ، حَتَّى عَبَرَتْ دِجْلَةَ ، وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِ فَارِسَ ، وَلَمْ تَخْمَدْ قَبْلَ ذَلِكَ ، فَلَمَّا أَصْبَحَ كِسْرَى أَفْزَعَهُ مَا رَأَى ، فَتَصَبَّرَ عَلَيْهِ تَشْجِعًا ، ثُمَّ رَأَى أَنَّهُ لَا يَسْتُرُ ذَلِكَ عَنْ وُزَرَائِهِ وَمَرَازِبَتِهِ ، فَتَجَلَّدَ كِسْرَى ، وَجَلَسَ عَلَى سَرِيرِ مُلْكِهِ ، وَلَبِسَ تَاجَهُ ، وَأَرْسَلَ إِلَى الْمُوبَذَانِ ، فَقَالَ : يَا مُوبَذَانُ ، إِنَّهُ سَقَطَ مِنْ إِيوَانِي أَرْبَعَ عَشْرَةَ شُرْفَةً ، وَخَمَدَتْ نَارُ فَارِسَ ، وَلَمْ تَخْمَدْ قَبْلَ الْيَوْمِ بِأَلْفِ عَامٍ ، فَقَالَ : وَأَنَا أَيُّهَا الْمَلِكُ قَدْ رَأَيْتُ كَأَنَّ إِبِلًا صِعَابًا تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا ، حَتَّى عَبَرَتْ دِجْلَةَ ، وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِ فَارِسَ ، فَقَالَ : فَمَا تَرَى ذَلِكَ يَا مُوبَذَانُ وَكَأَنَّ رَأْسَهُمْ فِي الْعِلْمِ ؟ يَعْنِي : أَيَّ شَيْءٍ يَكُونُ هَذَا ؟ قَالَ : حَدَثٌ يَكُونُ مِنْ قِبَلِ الْعَرَبِ . فَكَتَبَ حِينَئِذٍ كِسْرَى : مِنْ كِسْرَى مَلَكِ الْمُلُوكِ ، إِلَى النُّعْمَانِ بْنِ الْمُنْذِرِ ، أَنِ ابْعَثْ إِلَيَّ رَجُلًا مِنَ الْعَرَبِ يُخْبِرْنِي بِمَا أَسْأَلُهُ عَنْهُ " ، فَبَعَثَ إِلَيْهِ عَبْدَ الْمَسِيحِ بْنَ حَيَّانَ بْنِ بُقَيْلَةَ ، فَقَالَ لَهُ : يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ ، هَلْ عِنْدَكَ عِلْمٌ بِمَا أُرِيدُ أَنْ أَسْأَلَكَ عَنْهُ ؟ قَالَ : يَسْأَلُنِي الْمَلِكُ ، فَإِنْ كَانَ مِنْهُ عِلْمٌ أَعْلَمْتُهُ ، وَإِلَّا فَأَعْلَمْتُهُ بِمَنْ عِلْمُهُ عِنْدَهُ ، فَأَخْبَرَهُ بِهِ ، فَقَالَ : عِلْمُهُ عِنْدَ خَالٍ لِي يَسْكُنُ مَشَارِفَ الشَّامِ ، يُقَالُ لَهُ : سَطِيحٌ ، قَالَ : فَاذْهَبْ إِلَيْهِ ، وَسَلْهُ ، فَأَخْبِرْنِي بِمَا يُخْبِرُكَ بِهِ ، فَخَرَجَ عَبْدُ الْمَسِيحِ حَتَّى أَقْدَمَ عَلَى سَطِيحٍ ، وَهُوَ مُشْرِفٌ عَلَى الْمَوْتِ قَالَ : فَسَلَّمَ عَلَيْهِ وَحَيَّاهُ بِتَحِيَّةِ الْمَلِكِ ، فَلَمْ يُجِبْهُ سَطِيحٌ ، فَأَقْبَلَ يَقُولُ
أَصَمُّ أَمْ يَسْمَعُ غِطْرِيفُ الْيَمَنْ أَمْ فَازَ فَازْلَمَّ بِهِ شَأْوُ الْعَنَنْ
وَأُمُّهُ مِنْ آلِ ذِئْبِ بْنِ حَجَنْ أَزْرَقُ مُمْهِي النَّابِ صَرَّارُ الْأُذُنْ
أَبْيَضُ فَضْفَاضُ الرِّدَاءِ وَالْبَدَنْ رَسُولُ قَيْلِ الْعَجَمِ يَسْرِي لِلْوَسَنْ
لَا يَرْهَبُ الرَّعْدَ وَلَا رَيْبَ الزَّمَنْ يَجُوبُ بِيَ الْأَرْضَ عَلَنْدَاةٌ شَزَنْ
تَرْفَعُنِي وُجْنٌ وَتَهْوِي بِي وُجْنٌ حَتَّى أَتَى عَارِي الْجَآجِي وَالْقَطَنْ
يَلُفُّهُ فِي الرِّيحِ بَوْغَاءُ الدِّمَنْ كَأَنَّمَا حُثْحِثَ مِنْ حِضْنَيْ ثَكَنْ قَالَ : فَرَفَعَ رَأْسَهُ إِلَيْهِ ، وَقَالَ : عَبْدُ الْمَسِيحِ يَهْوِي إِلَى سَطِيحٍ ، وَقَدْ أَوْفَى عَلَى الضَّرِيحِ ، بَعَثَكَ مَلِكُ سَاسَانَ لِارْتِجَاسِ الْإِيوَانِ ، وَخُمُودِ النِّيرَانِ ، وَرُؤْيَا الْمُوبَذَانِ ، رَأَى إِبِلًا صِعَابًا تَقُودُ خَيْلًا عِرَابًا ، قَدْ قَطَعَتْ دِجْلَةَ ، وَانْتَشَرَتْ فِي بِلَادِ فَارِسَ ، يَا عَبْدَ الْمَسِيحِ إِذَا ظَهَرَتِ التِّلَاوَهْ ، وَغَارَتْ بُحَيْرَةُ سَاوَهْ ، وَفَاضَ وَادِي السَّمَاوَهْ ، وَخَرَجَ صَاحِبُ الْهِرَاوَةِ ، فَلَيْسَتِ الشَّامُ بِالشَّامِ ، يَمْلِكُ مِنْهُمْ مُلُوكٌ وَمَلِكَاتٌ عَلَى عَدَدِ الشُّرُفَاتِ ، وَكُلُّ مَا هُوَ آتٍ آتٍ . ثُمَّ مَاتَ ، فَقَامَ عَبْدُ الْمَسِيحِ ، وَهُوَ يَقُولُ :
شَمِّرْ فَإِنَّكَ مَاضِي الدَّهْرِ شِمِّيرُ لَا يَفْزَعَنَّكَ تَشْرِيدٌ وَتَغْرِيرُ
إِنْ يَمَسَّ بَنِي سَاسَانَ أَفْرَطُهُمْ فَإِنَّ ذَا الدَّهْرَ أَطْوَارٌ دَهَارِيرُ
فَرُبَّمَا كَانَ قَدْ أَضْحَوْا بِمَنْزِلَةٍ يَهَابُ صَوْلَهُمُ الْأُسْدُ الْمَهَاصِيرُ
مِنْهُمْ أَخُو الصَّرْحِ بَهْرَامَ وَإُخْوَتُهُ وَالْهُرْمُزَانُ وَسَابُورٌ وَسَابُورُ
وَالنَّاسُ أَوْلَادُ عَلَّاتٍ فَمَنْ عَلِمُوا أَنْ قَدْ أَقَلَّ فَمَحْقُورٌ وَمَهْجُورُ
وَهُمْ بَنُو الْأُمِّ أَمَا إِنْ رَأَوْا نَشَبًا فَذَاكَ بِالْغَيْبِ مَحْفُوظٌ وَمَنْصُورُ
وَالْخَيْرُ وَالشَّرُّ مَجْمُوعَانِ فِي قَرَنٍ فَالْخَيْرُ مُتَّبَعٌ وَالشَّرُّ مَحْذُورُ قَالَ : فَرَجَعَ عَبْدُ الْمَسِيحِ إِلَى كِسْرَى ، فَأَخْبَرَهُ ، فَقَالَ كِسْرَى : إِلَى أَنْ يَمْلِكَ مِنَّا أَرْبَعَ عَشْرَةَ يَكُونُ أُمُورٌ وَأُمُورٌ . قَالَ : فَمَلِكَ مِنْهُمْ عَشْرَةٌ فِي أَرْبَعِ سِنِينَ ، وَمَلَكَ الْبَاقُونَ بَعْدَهُ " *

الصفحة 145