كتاب فنون العجائب لأبي سعيد النقاش - ت: مشهور
حَدِيثُ أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ مَعَ خَصْمِهِ
[71] أَخْبَرَنَا عَلِيُّ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ يُوسُفَ بْنِ شَكَرَةَ ، حَدَّثَنَا أَبُو حَامِدٍ أَحْمَدُ بْنُ جَعْفَرِ بْنِ سَعِيدٍ ، حَدَّثَنَا أَحْمَدُ بْنُ عَمْرِو بْنِ الْعَبَّاسِ بْنِ عُبَيْدَةَ الْعَضْفَرِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ اللَّهِ بْنُ هَارُونَ بْنِ أَبِي عِيسَى ، حَدَّثَنَا أَبِي ، عَنْ حَاتِمِ بْنِ أَبِي صَغِيرَةَ ، عَنْ سِمَاكٍ ، عَنْ عِكْرِمَةَ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، " أَنَّ أَسَدَ بْنَ هَاشِمٍ قَدْ غَلَبَهَا زَمَانًا ، ثُمَّ اسْتَنْفَرَ عَنْهَا ، فَتَرَكَهَا وَانْحَدَرَ إِلَى مَكَّةَ ، فَانْدَفَنَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ ، فَقَالَ : لَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ بِئْرٌ مَتْرُوكَةٌ ، فَلَوْ عَالَجْتُهَا ، قَالَ : فَحَفَرَ ، فَأَصَابَ مَاءً كَثِيرًا ، فَأَعْجَبَهُ الْمَنْزِلُ ، وَأَقَامَ بِهَا ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ ، كَانَتْ لَهُ بِئْرٌ عَلَى شَطِّ الْبَحْرِ يَرْعَى بِهَا غَنَمَهُ قَدْ غَلَبَهَا زَمَانًا ، ثُمَّ اسْتَنْفَرَ عَنْهَا ، فَتَرَكَهَا وَانْحَدَرَ إِلَى مَكَّةَ ، فَانْدَفَنَتْ تِلْكَ الْبِئْرُ ، فَمَرَّ بِهَا رَجُلٌ مِنْ خُزَاعَةَ فَقَالَ : لَقَدْ كَانَتْ هَذِهِ بِئْرٌ مَتْرُكَةً ، فَلَوْ عَالَجْتُهَا . قَالَ : فَحَفَرَ ، فَأَصَابَ مَاءً كَثِيرًا ، فَأَعْجَبَهُ الْمَنْزِلُ ، وَأَقَامَ بِهَا ، فَبَيْنَا هُوَ كَذَلِكَ إِذْ أَتَى أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ ، فَقَالَ لِلْخُزَاعِيِّ : أَيُّهَا الرَّجُلُ إِنَّ هَذَا الْبِئْرَ كَانَتْ لِي قَبْلَكَ ، فَقَالَ الْخُزَاعِيُّ : قَدْ كَانَتْ هَذَا الْبِئْرُ قَبْلَكَ وَقَبْلَ آبَائِكَ ، وَقَدْ كَانَ بَعْدَ مُنْذُ حِينٍ مِنَ الدَّهْرِ ، وَمَا تَدَّعِي إِلَّا بَاطِلًا ، فَانْطَلِقْ حَتَّى أُخَاصِمَكَ إِلَى مَنْ شِئْتَ ، فَقَالَ لَهُ أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ : فَانْطَلِقْ إِلَى قُرَيْشٍ ، فَقَالَ لَهُ الْخُزَاعِيُّ : هُمْ قَوْمُكَ ، يَقْضُونَ لَكَ عَلَيَّ ، وَلَكِنْ أُخَاصِمُكَ إِلَى سَطِيحٍ الذُّبْيَانِيِّ ، وَكَانَ سَطِيحٌ الذُّبْيَانِيُّ رَجُلًا مِنْ غَسَّانَ ، فَقَالَ لَهُ أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ : تُرِيدُ أَنْ تَذْهَبَ بِنَا إِلَى أَبْعَدِ أَرْضِ اللَّهِ عَزَّ وَجَلَّ وَأَسْحَقَهُ ؟ فَقَالَ الْخُزَاعِيُّ : لَا وَاللَّهِ لَا أَرْضَى إِلَّا الذُّبْيَانِيَّ ، فَانْطَلَقَا حَتَّى إِذَا صَارَا بِالرَّحْلِ ، فَقَالَ لَهُ أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ : هَلْ لَكَ أَنْ نَخْبَأَ لِسَطِيحٍ خَبْئًا ؟ فَقَالَ لَهُ الْخُزَاعِيُّ : نَعَمْ ، نَنْظُرُ مَا عِنْدَهُ ، فَإِنِ اسْتَخْرَجَ خَبِيئَنَا ، فَهُوَ الْكَاهِنُ ، فَنَادَى أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ ، وَلَا يَسْمَعُ السَّامِعُ ، إِنَّا قَدْ خَبَأْنَا لِسَطِيحٍ خَبْئًا ، صِيصِيَّةَ بَقَرٍ ، ثُمَّ سَارَا غَيْرَ بَعِيدٍ ، فَقَالَ لَهُ أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ : هَلْ لَكَ أَنْ تَخْبَأَ لَهُ مِنْشَارَ جَرَادٍ ، نَأْخُذُهَا حَتَّى نَجْعَلَهَا فِي عُرْوَةِ الْمُزَادَةِ فِي عُنُقِ مُهْرٍ لَنَا يُقَالُ لَهُ سَوَّارُ بْنُ الْعُنُقِ ؟ فَقَالَ لَهُ الْخُزَاعِيُّ : نَعَمْ ، قَالَ : فَنَادَى أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ : أَلَا يَسْتَمِعُ سَامِعٌ ، إِنَّا كُنَّا خَبَأْنَا لِسَطِيحٍ صِيصِيَّةَ بَقَرٍ ، وَإِنَّا خَبَأْنَا لَهُ مِنْشَارِ جَرَادَةٍ فِي عُرْوَةٍ مُزَادَةٍ بَيْنَ عُنُقِ سَوَّارٍ وَالْقِلَادَةِ ، ثُمَّ انْطَلَقَا يَسِيرَانِ حَتَّى قَدِمَا عَلَى سَطِيحٍ ، فَقَالَا : أَتَيْنَاكَ نَتَحَاكَمُ إِلَيْكَ ، فَقَالَ لَهُمَا سَطِيحٌ : هَاتِيَا مَا عِنْدَكُمَا ، فَقَالَ لَهُ أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ : إِنَّا قَدْ خَبَأْنَا لَكَ خَبْئًا ، فَقَالَ لَهُمَا سَطِيحٌ : تَعْبَثَانِ وَتَبْحَثَا عَمَّا عِنْدِي قَالَا : نَعَمْ قَالَا : فَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ ، فَنَظَرَ ، فَقَالَ : وَرَبِّ الْوَافِدَةِ الْمَحْمُودَةِ ، قَالَ : وَالْوَافِدَةِ الْمَحْمُودَةِ ، إِنَّ أَهْلَ الْيَمَنِ كَانُوا يَكْتُبُونَ فِي الشَّعْرِ ، وَيُرِيدُونَ بِهَا الْكِتَابَ ، وَيُسَمُّونَهَا الْوَافِدَةُ ، لَقَدْ خَبَأْتُمَا لِي صِيصِيَّةَ بَقَرٍ ، قَالَا : هَيْهَاتَ هَيْهَاتَ ، قَالَ : ذَكَرْتُمَا فِيمَا ذَكَرْتُمَا صِيصِيَّةَ بَقَرٍ ، فَبِمَا ذُكِرَ ؟ قَالَ : نَعَمْ ، فَطَمَحَتْ عَيْنَاهُ ، فَقَالَ : وَلَاذَ أَفَهَذَا مِنْشَارُ جَرَادَةٍ فِي عُرْوَةٍ مُزَادَةٍ بَيْنَ عُنُقِ الْمُهْرِ وَالْقِلَادَةِ ؟ قَالَا : صَدَقْتَ ، قَالَ : هَاتِيَا مَا عِنْدَكُمَا قَالَ لَهُ أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ : كَانَتْ لِي بِئْرٌ عَلَى شَاطِئِ الْبَحْرِ ، اشْتَرَيْتُهَا ، وَرَعَيْتُ بِهَا زَمَانًا ، ثُمَّ اسْتَغْنَيْتُ عَنْهَا ، فَانْدَفَنَتْ ، فَمَرَّ بِهَا هَذَا الْخُزَاعِيُّ ، فَحَفَرَهَا وَأَصْلَحَهَا ، ثُمَّ ادَّعَى أَنَّهَا لَهُ ، فَقَالَ الْخُزَاعِيُّ : مَرَرْتُ عَلَى بِئْرٍ مُنْدَفِنَةٍ ، فَفَلَقْتُهَا ، وَأَصْلَحْتُهَا ، فَجَاءَ هَذَا يَدَّعِي فِيهَا الْبَاطِلَ ، فَنَظَرَ سَطِيحٌ إِلَى أَسَدِ بْنِ هَاشِمٍ ، فَقَالَ : مَا اسْمُكَ ؟ فَقَالَ : أَسَدُ بْنُ هَاشِمٍ ، قَالَ : وَرَبِّ الْحِلِّ وَالْحَرَمِ ، وَاللُّؤْمِ وَالْكَرَمِ ، لَاشْتَرَاهَا ابْنَ هَاشِمٍ بِعَشْرٍ مِنَ الْغَنَمِ ، فَقَضَاهَا لِأَسَدٍ ، فَقَالَ أَسَدٌ : اشْتَرَيْتُهَا بِعَشْرٍ مِنَ الْغَنَمِ ، مَا زَادَتْ وَاحِدَةً وَلَا نَقَصَ " *
الصفحة 156