كتاب فنون العجائب لأبي سعيد النقاش - ت: مشهور
حَدِيثُ الْمَأْمُونِ بْنِ مُعَاوِيَةَ
[82] أَخْبَرَنَا أَبُو مُحَمَّدٍ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ حَامِدٍ الْوَزَّانُ ، أَخْبَرَنَا إِسْمَاعِيلُ بْنُ سَعْدَانَ الْفَارِسِيُّ ، حَدَّثَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطِّيبُ بْنُ عَلِيٍّ التَّمِيمِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ بْنِ يَزِيدَ ، حَدَّثَنَا السَّكَنُ بْنُ سَعْدٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنِ الْكَلْبِيِّ ، عَنْ عَوَانَةَ ، قَالَ : " قَالَ عُمَرُ بْنُ الْخَطَّابِ ، رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ ، يَوْمًا لِجُلَسَائِهِ : هَلْ فِيكُمْ أَحَدٌ وَقَعَ إِلَيْهِ خَبَرٌ مِنْ أَمْرِ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ فِي الْجَاهِلِيَّةِ ، قَبْلَ ظُهُورِهِ ، فَقَالَ طُفَيْلُ بْنُ يَزِيدَ الْحَارِثِيُّ ، وَقَدْ أَتَتْ عَلَيْهِ يَوْمَئِذٍ مِئَةٌ وَسِتُّونَ : نَعَمْ ، يَا أَمِيرَ الْمُؤْمِنِينَ ، كَانَ الْمَأْمُونُ بْنُ مُعَاوِيَةَ الْحَارِثِيُّ عَلَى مَا بَلَغَكَ مِنْ كَهَانَتِهِ وَعِلْمِهِ وَحِكْمَتِهِ ، وَكَانَتْ عُقَابٌ لَا تَزَالُ تَأْتِيَهُ بَيْنَ الْأَنَامِ ، فَتَقَعُ أَمَامَهُ ، فَتَصِيحُ . فَيَقُولُ : كَذَا وَكَذَا ، فَنَجِدُ كَمَا يَقُولُ ، وَكَانَ نَصْرَانِيًّا ، وَكَانَ يَخْرُجُ إِلَيْنَا فِي كُلِّ يَوْمِ أَحَدٍ ، عَلَيْهِ بُرْنُسٌ أَسْوَدُ ، فَيَخْطُبُ ، وَيَجْتَمِعُ إِلَيْهِ النَّاسُ ، فَأَقْبَلَتِ الْعُقَابُ يَوْمَ عَرُوبَةَ فِي أَوَّلِ النَّهَارِ ، فَصَرَّتْ ، ثُمَّ نَهَضَتْ ، فَلَمَّا تَعَالَتِ الشَّمْسُ ، خَرَجَ عَلَيْنَا فِي ثِيَابٍ بِيضٍ مِنْ ثِيَابِ مِصْرَ ، يَتَوَكَّأُ عَلَى عَصَاهُ ، فَاجْتُمِعَ إِلَيْهِ ، فَأَسْنَدَ الْعَصَا إِلَى صَدْرِهِ ، وَأَطْرَقَ طَوِيلًا ، فَقَالَ بَعْضُ الْقَوْمِ : أَنَامَ أَبُو الْكَبْشَمِ ؟ فَقُلْتُ : كَلَّا ، وَإِنِّي لَأَظُنُّهُ يُبْحِي نَهَارَ بِنَا ذَاتَ وَبَرٍ ، قَالَ : فَرَفَعَ رَأْسَهُ ، فَصَعِدَ بِطَرْفِهِ إِلَى السَّمَاءِ ، ثُمَّ ضَرَبَهُ إِلَى الْأَرْضِ ، ثُمَّ رَمَى بِهِ شَرْقًا وَغَرْبًا ، ثُمَّ قَالَ : نَهَارٌ يَجُولُ ، وَلَيْلٌ يَزُولُ ، وَشَمْسٌ تَجْرِي ، وَقَمَرٌ يَسْرِي ، ونجوم تمور ، وَفَلَكٌ يَدُورُ ، وَسَحَابٌ مُكْفَهِرٌّ وَبَحْرٌ مُسْتَطِيرٌ ، وَجِبَالٌ غُبْرٌ ، وَأَشْجَارٌ خُضْرٌ ، وَخَلْقٌ تَمُورُ بَعْضُهُ فِي بَعْضٍ بَيْنَ سَمَاءٍ وَأَرْضٍ ، وَوَالِدٌ يُتْلِفُ ، وَوَلَدٌ يَخْلُفُ ، مَا خَلَقَ اللَّهُ هَذَا بَاطِلًا ، وَإِنَّ مَا تَرَوْنَ ثَوَابًا ، وَعِقَابًا ، وَحَشْرًا ، وَنَشْرًا ، وَوُقُوفًا بَيْنَ يَدَيِ الْجَبَّارِ . قَالَ : قُلْنَا : مَنِ الْجَبَّارُ ؟ قَالَ : الْأَحَدُ الصَّمَدُ الَّذِي لَمْ يَلِدْ وَلَمْ يُولَدْ . قَالَ : فَنَهَضَ عَظِيمُ الْأَسَاقِفَةِ ، فَقَالَ : أَنْشُدُكَ اللَّهَ فِي النَّصْرَانِيَّةِ ، فَوَاللَّهِ ، لَئِنْ تَسَامَعَتِ الْعَرَبُ لِقَوْلِكَ لَا يَجْتَمِعُ عَلَيْنَا مِنْهُمُ اثْنَانِ ، فَقَالَ : إِلَيْكَ عَنِّي ، كَيْفَ أَنْتَ إِذَا ظَهْرَ الْعَبْدُ الْأَمِينُ بِخَيْرِ دِينٍ ، يَا لَيْتَ أَنِّي أَلْحَقُهُ ، وَلَيْتَنِي لَا أَسْبِقُهُ ، إِنَّ فُؤَادِي يُصَدِّقُهُ . قَالَ : فَقُلْتُ لَهُ ، وَكُنْتُ أَقْرَبُ الْقَوْمِ لَهُ قَرَابَةً : يَا أَبَا الْكَبْشَمِ وَأَيْنَ مَخْرَجُهُ ؟ فَقَالَ : غَوْرُ تِهَامَةَ ، قُلْتُ : وَمَتَى يَكُونُ ؟ قَالَ : إِذَا جَاءَ الْحَقُّ لَمْ يَكُنْ بِهِ حَقٌّ ، ثُمَّ أَقْبَلَتِ الْعُقَابُ ، فَوَقَعَتْ بَيْنَ يَدَيْهِ ، وَصَرَّتْ صَرِيرًا شَدِيدًا ، وَسَمِعْنَاهُ يَقُولُ : قَدْ فَعَلْتِ ، قَدْ بَلَّغْتِ ، ثُمَّ نَهَضَتْ ، فَطَارَتْ ، فَلَمْ يَلْبَثْ أَنْ مَاتَ ، وَضَرَبَ الدَّهْرُ مِنْ ضَرَبَاتِهِ ، فَأَتَانَا خَبَرُ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ ، وَظُهُورِهِ بِتِهَامَةَ ، فَقُلْتُ : يَا نَفْسُ ، هَذَا ذَاكَ ، وَتَرَاخَتِ الْأَيَّامُ إِلَى أَنْ وَفَدْتُ ، فَأَسْلَمْتُ " *
الصفحة 184