كتاب فنون العجائب لأبي سعيد النقاش - ت: مشهور

حَدِيثُ حِمْيَرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ
[83] أَخْبَرَنَا أَبُو الْقَاسِمِ الطَّبَرَانِيُّ ، حَدَّثَنَا مُحَمَّدُ بْنُ الْحَسَنِ الْأَنْمَاطِيُّ ، حَدَّثَنَا عَبْدُ الْمُنْعِمِ بْنُ إِدْرِيس َ ابْنِ بِنْتِ وَهْبٍ ، عَنْ أَبِيهِ ، عَنْ وَهْبِ بْنِ مُنَبِّهٍ ، عَنِ ابْنِ عَبَّاسٍ ، قَالَ : شَهِدْتُ مَجْلِسًا مِنْ رَسُولِ اللَّهِ صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ وَفِيهِ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ ، فَقَالَ عَبْدُ اللَّهِ بْنُ سَلَامٍ : يَا رَسُولَ اللَّهِ ، أَلَا أُحَدِّثُكَ بِحَدِيثٍ كَانَ فِي بَنِي إِسْرَائِيلَ عجبا مِنَ الْعَجَبِ ؟ قَالَ : " هَاتِ يَا ابْنَ سَلَامٍ " . قَالَ : خَرَجَ حِمْيَرُ بْنُ عَبْدِ اللَّهِ فِي الزَّمَنِ الْأَوَّلِ فِي مَصِيدٍ لَهُ ، حَتَّى إِذَا أَصْحَرَ انْسَابَتْ حَيَّةٌ تَحْتَ قَوَائِمِ فَرَسِهِ ، فَقَامَتْ عَلَى ذَنَبِهَا ، فَقَالَتْ : يَا حِمْيَرُ ، آوِنِي ، آوَاكَ اللَّهُ فِي ظِلِّ عَرْشِهِ ، يَوْمَ لَا ظِلَّ إِلَّا ظِلُّهُ قَالَ لَهَا : مِمَّنْ ؟ قَالَتْ : مِنْ رَجُلٍ يُرِيدُ أَنْ يَطْعَنِّني بِسَيْفِهِ إِرْبًا إِرْبًا . قَالَ : فَأَيْنَ أُدْخِلُكِ ؟ قَالَتْ : فِي فِيكَ ، إِنْ أَرَدْتَ الْمَعْرُوفَ . قَالَ : هَذَا فَمِي . فَانْسَابِتِ الْحَيَّةُ ، فَدَخَلَتْ فِي فِيهِ ، فَمَادَتْ فِي جَوْفِهِ ، فَجَاءَ الرَّجُلُ مُغْضَبًا ، بِيَدِهِ سَيْفٌ يَطْلُبُهَا ، فَقَالَ : يَا شَيْخُ ، الْحَيَّةُ الَّتِي أَنَاخَتْ بِكَنَفِكَ ، وَانْسَابَتْ تَحْتَ قَوَائِمِ دَابَّتِكَ ، أَرَأَيْتَهَا ؟ فَقَالَ حِمْيَرٌ : لَا ، فَقَالَ : عَظُمَتْ كَلِمَةٌ خَرَجَتْ مِنْ فِيكَ فَقَالَ حِمْيَرٌ : اللَّهُمَّ غَفْرًا أُخْبِرُكَ أَنِّي لَمْ أَرَهَا ، فَتُكَذِّبُنِي ، وَتُرَدُّ عَلَيَّ لَفْظِي ، مَا جَاءَ مِنْكَ أَعْظَمُ قَالَ : فَمَضَى الرَّجُلُ لِسَبِيلِهِ ، فَقَالَتِ الْحَيَّةُ مِنْ جَوْفِهِ : مَا فَعَلَ الرَّجُلُ ، أَيَأْخُذُهُ بَصَرُكَ ؟ قَالَ : لَا ، قَالَتْ : أَرَأَيْتَ إِذْ رَعَيْتَ حَقِّي ، وَحَفِظْتَ ذِمَامِي ، فَاخْتَرْ مِنِّي وَاحِدَةً مِنَ اثْنَتَيْنِ : إِمَّا أَنْ أَنْكُتُ قَلْبَكَ نُكْتَةً أَدَعَكَ مِنْهَا رَمِيمًا ، وَإِمَّا أَنْ أَنْقُرَ كَبِدَكَ فَأُخْرِجَهَا مِنْ أَسْفَلِكَ قِطَعًا قَالَ : مَا كَافَأْتَنِي أَنْقَذْتُكِ مِنْ عَدُوِّكِ ، وَجَعَلْتُ جَوْفِي لَكِ وِعَاءً ، فَأَعْقَبْتِنِي أَنْ تَنْقُرِي كَبِدِي ، أَوْ تَنْكُتِي قَلْبِي فَقَالَتْ : يَا جَاهِلُ ، اتِّخَاذُكَ عِنْدِي الْمَعْرُوفَ لِأَيِّ شَيْءٍ ؟ وَاللَّهِ مَا لِي دَارٌ أَسْكُنُهَا ، وَلَا مَالٌ أَمْلِكُهُ ، وَلَا دَابَّةٌ أَحْمِلُكَ عَلَى ظَهْرِهَا ، وَلَقَدْ عَلِمْتَ عَدَاوَتِي لِأَبِيكَ آدَمَ ، حَتَّى أَخْرَجْتُهُ مِنَ الْجَنَّةِ ، وَأَهْبَطْتُهُ إِلَى الْأَرْضِ قَالَ : أَرَدْتُ بِذَلِكَ وَجْهَ الْأَعَزِّ الْأَكْرَمِ قَالَتْ : مَا بُدَّ مِنْ أَنْ أُنْزِلَ بِكَ النَّازِلَةَ ، وَأُوقِعَ بِكَ الْوَاقِعَةَ ، قَالَ : فَلْيَكُنْ مَا أَرَدْتِ بِي فِي هَذَا الْجَبَلِ ، وَعَنْ يَمِينِهِ جَبَلٌ ، قَدِ امْتَدَّ ظِلُّهُ ، وَتَنَاثَرَتْ ثِمَارُهُ ، وَاطَّرَدَ أَنْهَارُهُ ، فَنَزَلَ عَنْ دَابَّتِهِ كَئِيبًا حَزِينًا يَمْشِي فِي سَفْحِ الْجَبَلِ ، قَدِ انْتَهَى إِلَى عَيْنٍ فِي الْجَبَلِ ، وَإِذَا عَلَى الْعَيْنِ شَابٌّ كَأَنَّ وَجْهَهُ الْقَمَرُ فِي لَيْلَةِ الْبَدْرِ ، فَقَالَ : يَا شَيْخُ ، مَا لِي أَرَاكَ ضَعِيفَ الْحِيلَةِ ، قَلَبَكَ الْعَزَاءُ ؟ قَالَ : مِنْ عَدُوٍّ فِي جَوْفِي ، أَمَّنْتُهُ مِنْ عَدُوِّهِ ، فَأَعْقَبَنِي عَلَى أَنَّهُ يَنْكُتُ قَلْبِي ، أَوْ يَنْقُرُ كَبِدِي ، فَقَالَ : أَتَاكَ الْغَوْثُ مِنْ رَبِّكِ تَبَارَكَ وَتَعَالَى الَّذِي فِي مُلْكِهِ يَقْضِي وَيَخْتَارُ . قَالَ : فَأَوْمَى الْفَتَى بِيَدِهِ إِلَى رَدَنِهِ ، فَاسْتَخْرَجَ مِنْهُ قِطْعَةً ، فَأَطْعَمَهَا الشَّيْخُ ، فَاخْتَلَجَتْ وَجْنَتَاهُ ، ثُمَّ أَطْعَمَهُ الثَّانِيَةَ ، فَوَجَدَ تَمَخُّضًا فِي بَطْنِهِ ، ثُمَّ أَطْعَمَهُ الثَّالِثَةَ ، فَأَخْرَجَهَا مِنْ أَسْفَلِهِ قِطَعًا ، الرَّأْسَ وَالذَّنَبَ وَالْوَسَطَ ، فَأَقْبَلَ عَلَيْهِ حِمْيَرٌ ، فَقَالَ : مَنْ أَنْتَ يَا عَبْدَ اللَّهِ الَّذِي لَا أَحَدَ أَعْظَمُ عَلَيَّ مِنَّةً مِنْكَ ، وَلَا أَنَا أَجِدُ أَعْظَمَ شُكْرًا مِنِّي لَكَ ؟ فَقَالَ : أَوَ مَا تَعْرِفُنِي ؟ قَالَ : لَا , قَالَ : أَنَا الْمَعْرُوفُ ، لَقَدِ اضْطَرَبَتْ مَلَائِكَةُ السَّمَاءِ مِنْ خِذْلَانِ الْحَيَّةِ لَكَ ، فَقَالَ اللَّهُ عَزَّ وَجَلَّ : " يَا مَعْرُوفُ ، انْزِلْ إِلَى عَبْدِي فِي الصُّورَةِ الَّتِي خَلَقْتُكَ فِيهَا ، فَقَدْ أَرَدْتَ شَيْئًا لِوَجْهِي ، فَأَعْقَبْتُكَ عُقْبَى الصَّابِرِينَ ، وَنَجَّيْتُكَ مِنْ عَدُوِّكَ " *

الصفحة 186